يقظة الإمبراطوريات ويقظة الطوائف
مصطفى زين
26 آذار 2011 06:50
"أنا سلطان السلاطين وبرهان الخواقين. أنا متوج الملوك. ظل الله على الأرضين. أنا سلطان البحر الأبيض المتوسط، والبحر الأحمر، والأناضول والروملِي وقرمان والروم، وولاية ذي القدرية، وديار بكر وكردستان واذربيجان والعجم والشام ومصر ومكة والمدينة والقدس، وجميع ديار العرب والعجم، وبلاد المجر، والقيصر، وبلاد أخرى كثيرة افتتحتها يد جلالتي بسيف الظفر ولله الحمد والله أكبر."
النص السابق جزء من رسالة كتبها السلطان سليمان القانوني قبل مئات السنين (485 سنة) رداً على رسالة استغاثة من ملك فرنسا فرانسوا الأول، كي يخلصه من الأسر في إسبانيا.
لم يجد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان هدية يقدمها إلى الرئيس نيكولا ساركوزي، أفضل من هذه الرسالة "ليلقنه درساً في كيفية التعامل مع الأمم الكبيرة بعدما رفض المجيء إلى أنقرة، وزارها لست ساعات باعتباره رئيساً لمجموعة العشرين، وكان يمضغ علكاً أمام مستقبليه"، على ما قال المحيطون برئيس الوزراء.
خفة ساركوزي لا يختلف عليها اثنان. قراراته المتسرعة بعيدة كل البعد من الإرث الديغولي. بعضهم يلقبه بالإمبراطور الصغير. آخرون يلقبونه بالمهرّج. لكن مهما كانت صفاته أو أخطاؤه فهو يمثل النظرة الأوروبية، خصوصاً الفرنسية والألمانية، إلى تركيا. نظرة كانت قبل وصول الإسلاميين إلى السلطة تعتبر هذا البلد مسلماً وتعرقل دخوله جنة الإتحاد الأوروبي. وبعد وصولهم ازداد هذا الرفض حدة. وكان ذلك في مصلحة تركيا التي اتجهت إلى إقامة علاقات اقتصادية وسياسية مع محيطها. وتحولت إلى لاعب أساسي في الشرق الأوسط، وآسيا الوسطى.
هدية أردوغان وعودته إلى التاريخ إنما تشير بوضوح إلى "يقظة" السلطنة أو ما اصطلح على تسميته العثمانية الجديدة، بما تعنيه من توظيف الدين في علاقاتها مع المحيط ومع الدول الكبيرة. هذه الدول التي ما زالت تعيش على إرثها الإمبراطوري وتتعامل مع الآخرين على أساس تاريخها الإستعماري، تتحالف مع الحكام المتسلطين، حتى إذا انتهت خدمتهم تزعم الدفاع عن الشعوب فترسل أساطيلها إلى المحيطات وتستخدم ترساناتها لتأديب الخارجين عن طوعها، حكاماً كانوا أم شعوباً، مستخدمة القانون الدولي، ومعتمدة على تحالفات إقليمية، غطاء لحروبها.
"سلطان" العثمانية الجديدة وقف ضد الحملة على ليبيا. كان يريد تأمين مصالح السلطنة واستثماراتها الكثيرة في هذا البلد، بعد رحيل العقيد الديكتاتور. من هنا كان خلافه مع ساركوزي. وعندما استطاع الوصول إلى ما يريد وافق على المشاركة في الحملة الغربية - العربية.
إلى تركيا الأطلسية المتحالفة مع الغرب، وتشكل ضمانة لمصالحه في الشرق الأوسط، لدينا إيران، هي الأخرى تستخدم تاريخها وموقعها الجيوسياسي في حوارها وخلافها مع الغرب، وقد تصل يوماً ما، في ظل هذا الحكم أو غيره، إلى تفاهم معه على تقاسم المصالح.
في المقابل عندما يعود العرب إلى تاريخهم، ليستخدموه في حاضرهم، يعودون إلى تاريخ الطوائف وأمرائها، وإلى الخلافات التي مزقتهم يتوسلها كل منهم لتأكيد زعامته وقوته علّ ذلك يفيده في تحالفاته.
"الإمبراطوريات" تستيقظ وتتصارع في الشرق الأوسط. والطوائف العربية "تستيقظ» لتواجه بعضها بعضاً. كل منها يردد مع السلطان العثماني»أنا سلطان البر والبحر"، فيما الأساطيل الغازية لا تغادر بحرهم.