لم تستغرب أوساط الوزير والنائب ميشال فرعون الحملات التي استهدفته خلال تأليف الحكومة والتي استهدفت حجم دوره كمرجعية مستقلة أكان في منطقته بيروت ودائرته الاشرفية أو على صعيد طائفة الروم الكاثوليك كما استهدفت تحالفاته.
من جهة، التمسك به من قبل التحالف المسيحي ورئيس الحكومة، ونفي تهمة الاحزاب لالغاء المستقلين، ومن جهة اخرى مساحة ما يمثله الوزير والنائب في الفترة الاخيرة، لم يعد يناسب بعض الاحزاب في تعاطيهم مع المستقلين خاصة بعد النجاحات التي حققها على صعيد المجتمع المدني وادائه الحكومي في وزارة السياحة. وبقائه في الحكومة دون السياحة كوزير دولة لشؤون التخطيط والحد من امكانية حركته التوسعية نحو أكثر من منطقة بعد ان تثبت شرعيته في الاشرفية.
فالوزير له مؤيدوه من مناطق عدة منها جزين حيث كان دور لعائلته وفي البقاع حيث له تواصل فاعل ومستمر مع كثير من الفعاليات في البقاع الاوسط والشمالي.
فالوزير له مؤيدوه من مناطق عدة منها جزين حيث كان دور لعائلته وفي البقاع حيث له تواصل فاعل ومستمر مع كثير من الفعاليات في البقاع الاوسط والشمالي.
بالرغم انه امتنع من انشاء تنظيم سياسي واختار التعاون مع الاحزاب، وهل نموذج عمل التقليدي لا يزال له مكان على الخارطة السياسية؟
يتمسك الوزير والنائب باستقلاليته التي تطورت طبيعيا من التفاهم مع الرئيس رفيق الحريري وابنه سعد الحريري الى التحالف معه والاحزاب المسيحية فيه ضمن حركة ١٤ آذار حيث كان له دور مفصلي في معركة ال ٢٠٠٩ في الاشرفية وتأثير على مجريات نتائج زحلة واصبح جزءا من قيادة الحركة واجتماعاتها السرية وجزءا من تحرك المسيحيين المستقلين في ١٤ آذار التي كانت ضحية الاستحقاق الرئاسي. شارك فيما بعد باجتماعات اللقاء التشاوري وابتعد عنه بعد استقالة الكتائب قبل ان يحسم خياراته نحو التحالف المسيحي الرئاسي بالتنسيق مع المكون المسيحي الاقوى في ١٤ آذار القوات اللبنانية. شارك بكل قوته لانتخاب العماد عون الذي طور معه وبسرعة في الفترة الاخيرة علاقة ودية، وكل ذلك دون ان يتنازل عن شرط ربط الانتخاب بتكليف الرئيس والصديق سعد الحريري ودون ان يتخلى عن خيط الصداقة مع حزب الكتائب.
فكيف جمع التناقضات وكيف استطاع ان يحظى باجماع تأييد اركان الطائفة الكاثوليكية التي انتخبته كنائب رئيس للمجلس الاعلى للطائفة بعد جولة من الجلسات مع الوزير الراحل ايلي سكاف بحيث استطاع فرعون ٢٠١٤ ان يقنع الوزير سكاف بالحفاظ على مساحة واسعة من التشاور لمصلحة الطائفة ذات المصالح المهددة وبتقريب سكاف من ١٤ آذار؟ جسر الثقة بين الرجلين كان مستقرا ومتقلبا في آن دون ان ينسى سكاف ما قدمه فرعون في اواخر التسعينيات من دعم خلال فترة كانت صعبة عليه ولو كان ذلك على حساب بعض المصالح السياسية خلال حقبة الوصاية عنوانها فرق تسد.
ابتعدت العائلة عن ساحة الحرب في ايام الحرب الاهلية، وعن السياسة، لتعود وتفعل الدور الوطني التقليدي مع اعادة دخول ميشال اليها نظرا للفراغ المسيحي في التسعينيات واستجابة لطلب المرجعيات الروحية ورئيس الجمهورية الياس الهراوي الذي اقنعه بعدم ترك الساحة المفتوحة خلال انتخابات ٩٦ بعد انهاء المقاطعة المسيحية.
بقي على مسافة احترام من الجميع دون ان يدخل في دائرة الاستزلام او الصفقات، وضحى بعمله الخاص ليحافظ على هامش من الاستقلالية عنوانه ممارسة السياسة مع هامش في التحرك مما امن له مكانا خاصا الى جانب الرئيس الحريري.
عاد منذ ١٩٩٦ بترحيب واسع وتأييد شعبي من الفعاليات ليتحمل جزءا من مسؤولية القرار السياسي البيروتي الى جانب الرئيس الراحل دون محاولة توسيع دوره او التفاوض مع سلطة الامر الواقع خلال الوصاية السورية. هذه المسؤولية البيروتية الرمزية شاركت فيها عائلته منذ اكثر من ٢٠٠ سنة بمكان خاص لدى الشارع الاسلامي والمسيحي في آن ولم يوفر النائب جهدا وتعبا ليكون على مستوى ما مثله هذا الارث من ثقة ومصداقية.
وهذا ايضا كان حال مكان العائلة في شؤون طائفة الروم الكاثوليك منذ تأسيس الطائفة وعلى صعيد المسؤولية الوطنية منذ اكثر من ١٠٠ سنة حيث كانت عائلته من المحركين والممولين الاول لحركة الاستقلال بالحلقة الضيقة التي كانت تجمع هنري فرعون والرئيس بشارة الخوري والمفكر ميشال شيحا وشخصيات لبنانية من العائلة وخارجها في لبنان وفلسطين ومصر بتوجه عربي مميز من جهة، واستقلالي من جهة اخرى تجاه جامعة الدول العربية.
قد يكون هذا من الماضي، انما هذه الجذور الصلبة حتمت على فرعون العمل ضمن هذه الاطر الوطنية، للمصلحة العليا والاستقلال والشرعية مهما كان الثمن، والعمل مع كل ما يجمع ضمن الطوائف المسيحية وخارجها كل ما سمح الوضع مع الحفاظ على صداقات تقليدية في جميع الطوائف بالرغم من الاصطفافات الضيقة، حتى خلال حقبة الصراع السياسي الكبير مع قوى ٨ آذار.
هذا النموذج الناجح هل يجد المساحة والحاجة المطلوبة ضمن خارطة الانقسامات العامودية وزمن الاحزاب؟ وما يمكن لفرعون ان يقدمه اكثر في الفترة المقبلة بعد ان جير كل طاقاته في الحكومة السابقة وفي ظروف صعبة للدفاع عن الحقوق المسيحية المهددة على اكثر من صعيد الى جانب الكتائب والتيار الوطني وبالتنسيق مع الدكتور سمير جعجع ولو بثمن توتر مع صديقه الرئيس سلام وتحويله الى بيضة قبان، ومن ثم هندسة ناجحة للملف البلدي والاختياري المسيحي بدعم وتواصل وثقة الاحزاب المسيحية والرئيس الحريري وارتياح الفعاليات الروحية والمدنية ولو لم يستطع والدكتور جعجع ارضاء كل مطالب اصدقائهما مع توسيع التحالف الى التيار، بالاضافة الى تمثيل ناجح على طاولة هيئة الحوار الوطني؟
وماذا سيكون دوره المقبل في ظل المنافسات الكبيرة على الحصص؟
هل سيُطلب منه التنسيق بين الاحزاب على صعيد التعيينات الكاثوليكية او على صعيد التفاوض على اللوائح الانتخابية في دائرته؟ ماذا سيفعل اذا كبرت الضغوطات على حساب صوت العقل في ظل رفضه للمعارك التي لا يستطيع ان يكون فيها قيمة مضافة؟
الاوساط تراقب الهامش والثقة والدعم له من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في تكوين وحدة الوزارة لشؤون التخطيط العابرة للوزارات والاجوبة ستكون عبرة له ولحليفه الاول المسيحي القوات اللبنانية واختبارا لصداقاته التقليدية مع الرئاسة الثالثة والجديدة مع الرئاسة الاولى التي ترتاح لادائه وتاريخه، كما سيكون الجواب جزءا من المساحة المتبقية للمستقلين الاقوياء في منطقتهم والفاعلين في الدولة عبرة ايضا لمساحة الاصلاح ومعيار الكفاءة الذين اصيبوا بنكسة مع تأليف الحكومة مقابل المحاصصة والتحكم بالسلطة في فترة مفصلية تفرز فيها الاحزاب والقيادات المحلية والوطنية حسب معايير ستبرز تفاصيلها مع اقتراب الانتخابات المقبلة. كما ان مواقف وخيارات فرعون وتطور الثقة ومسار عمله سيؤثر على اقتراب المجتمع المدني والمستقلين من الاحزاب او لاستمرار اجواء الحذر بينهم.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك