ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الأحد على مذبح كنيسة الباحة الخارجية للصرح البطريركي "كابيلا القيامة" عاونه فيه المطارنة حنا علوان، بولس عبد الساتر وعاد أبي كرم، أمين سر البطريرك الأب بول مطر، في حضور ممثل وزير التربية والتعليم العالي عماد الأشقر، ممثل رئيس حزب الكتائب اللبنانية الدكتور جورج قزي، رئيس الاتحاد العمالي العام الدكتور بشارة الأسمر، عضو المؤسسة المارونية للانتشار سركيس سركيس، رئيسة حزب الخضر ندى زعرور، جمعية أصدقاء المدرسة الرسمية في المتن، باتريك الفخري، المهندس جان ابو جودة، وفد من عائلة المرحومة ماغي الأشقر، حشد من الفاعليات السياسية والتربوية والدينية.
بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان "سار معهما يسوع وشرح الكتب فوفاه عند كسر الخبز"، قال فيها: "1. الرب يسوع القائم من الموت حاضر أبدًا في الكنيسة بكلامه وبسر جسده ودمه في القربان، تحت شكلي الخبز والخمر. وهو حاضر في حياة كل إنسان، ليقطع معه الطريق بلوغًا إلى معرفة الحق،وإلى الخلاص. هكذا جرى مع التلميذين اللذين كانا ذاهبين، بعد ظهر أحد القيامة، من أورشليم إلى عماوس، على بعد ثلاث ساعات سيرًا على الأقدام. ففيما كانا يسيران مكتئبين لما جرى ليسوع من آلام وحكم بالصلب، ومتحيرين من خبر قيامته، راح يسوع يسير معهما، ويشرح ما جاء في الكتب المقدسة بشأنه. ولكنهما لم يعرفا أنه يسوع إلا عندما دخل البيت معهما "وأخذ الخبز، وبارك، وكسر، وناولهما".
إنه سر الإفخارستيا المعروف "بكسر الخبز" في الكنيسة الناشئة (أع 2: 46). من حضوره الكامل فيه، ما زال هذا "المسافر الإلهي" يرافقنا في طريق تساؤلاتنا وهواجسنا وإحباطنا، كي يدخلنا بتفسيره الكتب المقدسة إلى فهم أسرار الله. ثم على ضوء النور الساطع من "الخبز الحي النازل من السماء" (يو 6: 51) نعرف حقيقة المسيح، كالتلميذين، ونختبر فرحه المالئ قلوبنا. فلا نستطيع الاحتفاظ بهذا الفرح، بل نسارع في نقله إلى غيرنا. فالإفخارستيا هي مصدر الرسالة وقوتها.
2. إن أيقونة تلميذي عماوس هيقداس يسوع الأول بعد قيامته، ففيه أقسامه الثلاثة- كما في قداسنا - : الكلمة والذبيحة والمناولة، وفيه ثمرته أي الرسالة. فالكلمة هي الرب يسوع الذي كلم التلميذين مفسرًا لهما الكتب المقدسة ؛ والذبيحةهي الرب نفسه الذي بارك الخبز وكسره؛ والمناولة هي قبول جسد الرب ودمه من يده. أما الرسالة فهي الشهادة لسر المسيح، ونقل فرح قيامته إلى الرسل الأحد عشر. فلتبق هذه الأيقونة حاضرة في مخيلتنا في كل مر نشارك في ليتورجيا الأحد.
3. يسعدنا أن نحتفل معًا بهذا القداس الإلهي الذي هو، الآن وهنا، قداس الرب يسوع إياه الذي أقامه منذ ألفي سنة، وأسسه مع سر الكهنوت من أجل استمرارية ذبيحة الفداء ووليمة جسده ودمه، على يد كهنة العهد الجديد. ففي قداس الأحد، كما وفي أي يوم آخر، المسيح نفسه يسير مع جماعة المؤمنين، ومع كل مؤمن ومؤمنة، يصغي إلينا ويخاطب قلوبنا بكلام الحياة؛ يقدم ذبيحة ذاته فدىً عن خطايانا؛ يهبنا جسده ودمه طعامًا روحيًا للحياة الجديدة؛ ثميرسلنا لنشهد بالأفعال والمبادرات والمواقف لمحبته،ولننقل فرحه إلى القلوب.
4. يطيب لي أن أرحب بكم جميعًا، وأحيي بنوع خاص جمعية أصدقاء المدرسة الرسمية في المتن، والهيئات التعليمية في المدارس الرسمية، ولجان الأهل، وكل الشخصيات والهيئات الرسمية الحاضرة، وفي مقدمتهمممثل معالي وزير التربية والتعليم العالي. وإننا نقدم هذه الذبيحة الإلهية على نية هذه الجمعية والمدارس الرسمية، سائلين الله أن يبارك الأُسر التربوية فيها، ونصلي من أجل ازدهار هذه المدارس ونموها.
ونحيي بيننا عائلة المرحومة ماغي الأشقر أرملة فيلسوف لبنان الشهيد كمال يوسف الحاج وقد ودعناها مع أولادها وشقيقتها وأولاد المرحومين أشقائها منذ أسبوعين. نصلي لراحة نفسها وعزاء اسرتها. ونحيي شقيقة المرحومة الأخت لويز-ماري مقدسي، من جمعية راهبات العائلة المقدسة المارونيات، وقد ودعناها معها ومع الراهبات والأنسباء منذ شهرين ونصف. نصلي لراحة نفسها وعزاء شقيقتها واخواتها الراهبات.
5. في هذا اللقاء مع جمعية أصدقاء المدرسة الرسمية في المتن، أود أن أثني على ما تقوم به من نشاط من أجل تعزيز المدرسة الرسمية. إن الكنيسة معنية للغاية بهذا النشاط. فالتعليم الرسمي يوفر التعليم للجميع، ويجعله إلزاميًا ومجانيًا في آنٍ معًا. لكنالكنيسة تتألم لما تراه من تعثر في المدرسة الرسمية، ومن هدر للطاقات البشرية والمالية فيها. فتطالب الدولة والمجتمعبدعمها وتأمين التعليم النوعي فيها، وجعلها في منافسة شريفة مع المدرسة الخاصة. وهذا يضمن للوالدين حرية اختيار المدرسة لأولادهم. هذا ما طالب بهالمجمع البطريركي الماروني (2002 - 2006) في نصه السادس عشر حول "التعليم العام والتقني".
مشكورة جمعية أصدقاء المدرسة الرسمية على التعاون مع مدراء المدارس، للوقوف على حاجاتها لجهة التعليم والتربية، والأبنية والتجهيزات والتوزيع الجغرافي وتطبيق المناهج التعليمية والتربوية الجديدة ، وعلى المساعدة المالية والمعنوية التي تقدمها.
6. إنا في المناسبة نعود لنؤكد أن المدرسة الخاصة، مثل الرسمية، ذات منفعة عامة. ما يستوجب على الدولة تقديمالمساعدة المالية للتخفيف، لا عن المدرسة، بل عن أهالي الطلاب الذين يصرفون الغالي من مالهم ومقتنياتهم في سبيل تعليم أولادهم. غير أنه من حقهم، كمواطنين يؤدون للدولة ما يتوجب عليهم من ضرائب ورسوم، الحصول على مساعدة مالية منها أسوة بأهالي تلامذة المدرسة الرسمية. وهكذا تتأمن لهم حقًا حرية اختيار المدرسة لأولادهم. إذا لم تتحمل الدولة جزءًا من الأعباء المالية التي فرضتها على المدارس الخاصة بالقانون 46 الصادر عن مجلس النواب في 17 آب 2017، فإنها ترهق أهل التلامذة بزيادات على الأقساط مرتفعة، وهم غير قادرين عليها. الأمر الذي سيؤدي حتما إلى إقفال العديد من المدارس الخاصة، وإلى تشتيت التلامذة وحرمان أهلهم من مدرستهم، ورمي مئات من المعلمين والموظفين في حالة البطالة. وهذا ما نبهنا إليه أكثر من مرة وننبه. إن ضحية قانون 46 هم أهالي التلامذة لا المدرسة. وقد بدأ عدد من المدارس الكاثوليكية يعلمنا خطيا بإقفال أبوابها في السنة المدرسية المقبلة.
ومعلوم أن جميع الدول تدعم ماليًا أهالي التلامذة للتخفيف من أقساط المدارس الخاصة. ففرنسا مثلا تتولى دفع رواتب المعلمين، وألمانيا تدفع للمدرسة الخاصة كلفة التلميذ في المدرسة الرسمية، فتطرحه من قسطها. هذه المساعدة ليست منة من الدولة بل واجب عليها، ينبغي أن يدخل في موازنتها السنوية.
7. عندما عرف التلميذان يسوع عند كسر الخبز قاما على الفور ورجعا ليلاً وبمسيرة ثلاث ساعات إلى أورشليم لكي ينقلا خبر القيامة والفرح. هذا يعني أن سر القربان لا يؤمن القوة الداخلية وحسب، بل أيضًا القوة الجسدية والعزم. إنها قوة كينونية تنبعث من الرب يسوع الحاضر في القربان إلى المؤمن والمؤمنة، وتنتشر في المجتمع والحياة العامة، وتصبح ثقافة حياة. وهي ثقافة فرح العطاء من دون حساب، وثقافة زرع الفرح في القلوب، وانتزاع الغم والقلق والإحباط منها.
كثيرة هي هموم اللبنانيين وحاجاتهم، ويعبرون عنها في تظاهرات وإضرابات ونداءات، وعلى رأسهم رئيس الاتحاد العمالي العام الذي احييه بيننا. إننا معهم نناشد المسؤولين السياسيين تحمل مسؤوليتهم التاريخية قبل الإنهيار الإجتماعي الكامل. فلا يمكن أن تستمر الهوة السحيقة بينهم وبين الشعب. وفيما يثني اللبنانيون على وضع موازنة 2018 التي ضبطت الانفاق المتفلت، مع إصلاحات لازمة ومطلوبة، من أجل انتظام مالية الدولة، فإنهم يبقون متخوفين من نتائج المادة التاسعة والأربعين التي أدرجت في الموازنة بشأن منح إقامة في لبنان لكل عربي وأجنبي يشتري شقة، وضمن شروط، ويستفيد من هذه الإقامة هو وزوجته وأولاده القاصرون، مع ما يستتبع هذه الإقامة من حقوق، والكل على حساب الشعب اللبناني. فينبغي إلغاء هذه المادة وتعديل قانون تملك الأجانب وتعليق العمل به، لأن عدد هؤلاء بات يفوق حاليا نصف شعب لبنان، والأوضاع الراهنة لا تسمح بمنح أية إقامة أو تمليك أو تجنيس أو توطين.
8. بعد أسبوعين، يتقدم اللبنانيون من صناديق الاقتراع لانتخاب ممثليهم في المجلس النيابي وبالتالي في الحكومة والإدارات العامة. فليتذكروا ما تنص عليه مقدمة الدستور أن "الشعب هو مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية" (د). لذا ندعو الجميع إلى ممارسة حقهم الدستوري، ويدلوا بصوتهم الحر، والمحرر من كل خوف أو ترهيب أو إكراه أو وعيد أو إغراء، ويختاروا أمام الله والضمير من هو الأصلح لخير الوطن والشعب، ومن هو المميز بتجرده وثقافته وأخلاقيته، استنادا إلى خبرتهم معه واختبارهم له، لا إلى مجرد وعوده الكلامية الإنتخابية. فلبنان يمر في حالة غير عادية، ولذلك يستدعي رجالات دولة غير عاديين.
9. في الظروف الصعبة التي يمر فيها لبنان وبلدان المنطقة، مع ما نسمع من تهديدات بحروب، في كل هذه الظلمات لا يسعنا إلا أن نقول للمسيح فادي الإنسان ومخلص العالم، نور القلوب والضمائر: "أمكث معنا، فقد خيم الظلام" (لو 24: 29)، لكي ننعم بفرح وجوده، ونجدد قوانا الجسدية والروحية والمعنوية، ونواصل رسالتنا في نشر ملكوت المحبة والعدالة والأخوة والسلام، وفي زرع الفرح في القلوب، لمجد الثالوث القدوس، الإله الواحد، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.
وفي نهاية القداس قدمت جمعية أصدقاء المدرسة الرسمية درعا تذكارية لكل من الراعي ووزير التربية، ثم وزعت شهادات تقدير للمدارس والثانويات الرسمية في المتن.
بعد ذلك، استقبل الراعي المؤمنين المشاركين في الذبيحة الآلهية."
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك