حين نتحدّث عن الصحة، فإنّ شخصين يرتبطان بها بشكلٍ مباشر، هما الطبيب والصيدلي. وعلى الرغم من جهودٍ كثيرة بُذلت لتنظيم قطاع الصيدلة، إلا أنّه يبقى، خصوصاً في بعض المناطق، متفلّتاً من الرقابة، ما يهدّد صحة المواطن بشكلٍ مباشر.
تنص المادّتين ٣ و١٦ من قانون مزاولة مهنة الصيدلي على ضرورة تواجد الصيدلي المرخص في صيدليته طوال النهار، ويحق له أن يعيّن مساعداً صيدليّاً حائزاً على شهادة الصيدلة.
و لكن بعض الأحياء الفقيرة تعيش خارج "خيمة" الدولة لجهة الرقابة عليها، علماً أنّ في هذه الأحياء غالباً ما يُعتبر الصيدلي بمثابة الطبيب المتخصص. ولكن، في ظلّ هذه العشوائية والفوضى، تُقاس أرواح المرضى في الصيدليّات بالمنفعة الماديّة، فترخص أرواحهم على "الموظفين".
بدأنا جولتنا من مخيم برج البراجنة، فوجدنا في إحدى الصيدليات شابةٌ تعمل بمفردها في الصيدليّة، ولكنّها لم تتخرّج بعد من كليّة الصيدلة. تقول إنّ "دراسة هذا الاختصاص مميزة جدًّا وتعلّمنا اليوم في الصّف كيفيّة وصف دواء للمرضى الذين يعانون من حساسيّة تجاه دواء آخر".
ومن ملامح شهادة غير مكتملة إلى شهادة مختلفة الملامح كليًّا.
عندما رفضت الموظّفة في الصيدليّة المجاورة الإجابة على أسئلتنا، لمحنا في تجاعيد وجهها هويّة مختلفة عن هوية المكان الذي تعمل فيه.
فبعد تكرار الأسئلة والإصرار، كان الجواب مخيّباَ: "إختصاصي مختلف ولكن لديّ خبرة في الصيدليّة".
أمّا المفاجآة الأكبر فكانت عندما دخلنا إلى إحدى الصيدليّات في "حيّ ماضي" ليخبرنا الموظف، الذي كان متواجداً بمفرده، أنّه يعمل فيها منذ خمس سنوات، وبالنسبة إليه ليس بحاجة لشهادة، طالما مسؤول الصيدلية هو من أحد أقربائه. يقول: "اكتشفت أنّني لست بحاجة لشهادة لكي أبرع في هذا المجال، فالخبرة التي اكتسبتها هي عامل نجاحي".
تمّت هذه الزيارات كلّها في ساعات الصباح، أي الساعات التّي يفترض أن يقوم خلالها المراقبون بجولاتهم التفتيشيّة لرصد المخالفات.
وفي حديثنا مع نقيب صيادلة لبنان الدكتور جورج صيلي، تبيّن أنّ عدد المفتشين في النقابة هو 15 فقط، وبما أنّ عدد الصيدليات في لبنان يفوق الثلاثة آلاف، يُفترض أن نسأل عن فاعليّة عمليّات التفتيش.
يؤكّد صيلي: "نحتاج في بعض الأمور إلى مفتشين أكثر لكن لا نملك الصلاحيات الكافية". ويشير الى أنّه تمّ تقليص صلاحيات النقابة من قبل وزارة الصحة، ممّا أدّى إلى تراجع دورها الرقابي.
ويتابع: "ابتداءً من سنة 2018، سيتمّ التدقيق أكثر بالصيدليّات وبالمتواجدين فيها، وقد نشرنا تعميماً في هذا الشأن".
من جهته، يشير نائب رئيس الحكومة ووزير الصحة غسان حاصباني إلى أنّ المجلس التأديبي الأعلى هو المسؤول عن محاسبة المخالفين "ونحن على تعاون مع نقابة الصيادلة في رصد المخالفات القانونيّة".
كذلك دعا حاصباني المواطنين للشكوى على الرقم ١٢١٤ عند إطلاعهم على أية مخالفة وعند التشكيك بهويّة الموظف الموجود في الصيدليّة.
تتشابه الصيدليّات كافة بتوحيد شعارها بالعصا الملتفّة حولها الثعبان الذي يرمزالى إله الطب عند الإغريق. فالبعض من هذه الصيدليّات يشفي بالفعل، والبعض الآخر هو بمثابة سمّ الثعبان، يعيق الجسم الصيدلي ويهدّد سلامة المواطنين... فهل يُترك؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك