يتأكد يوما بعد يوم ان لبنان "الرسمي" قرّر التغاضي كلّيا عن أسباب وجوهر استقالة الرئيس سعد الحريري، واعتبارها وكأنها لم تكن لانها حصلت تحت ضغط سعودي، وتركيزَ جهوده على تحريره من "إقامته الجبرية" في الرياض وإعادته الى لبنان، ليُبنى بعد ذلك على الشيء مقتضاه...
وبعد مرور أكثر من أسبوع على إعلان الحريري استقالته، إزدادت المقاربة اللبنانية هذه وضوحا، وما كان يُقال بـ"المواربة"، أعلنه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اليوم مباشرة وبصريح العبارة "الرئيس الحريري محتجز وموقوف في السعودية"، وما حصل "نعتبره عملاً عدائياً ضد لبنان"، مشيراً إلى أن "الحريري وعائلته مقيدو الحرية والحركة، وهم تحت المراقبة"، ليكون بموقفه هذا، فتح باب "المواجهة" على مصراعيه، مع المملكة، وفق ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ"المركزية"، خصوصا ان كلام الرئيس جاء في وقت يجول وزير الخارجية جبران باسيل على عواصم القرار. وقد حطّ اليوم في بريطانيا وروما بعد ان أجرى أمس مفاوضات في بروكسل فباريس حيث اجتمع بالرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، في حركة هدفها، وفق المصادر، تكثيف الضغوط الدولية على المملكة لـ"فكّ أسر" رئيس الحكومة، وقد لوّح بأن لبنان سينتظر لمهلة محددة لا تتخطى "اليومين تلاتة" التي تحدث عنها الحريري في إطلالته التلفزيونية ليل الاحد، وبعد ذلك سيلجأ الى خيارات أخرى خارج إطار "العلاقات الأخوية مع الرياض".
ووسط هذه الاجواء، غرّد الحريري أمس وجدّد التغريد اليوم معلنا ""بدي كرر وأؤكد، أنا بألف الف خير، وانا راجع ان شاء الله على لبنان الحبيب مثل ما وعدتكم... وحا تشوفوا"، وقد بدا في كلماته هذه يدعو شركاءه في الحكم الى "التريث" في ما هم في صدده، ذلك ان لا مصلحة للبنان في الدخول في مواجهة مع المملكة، كما انه غير قادر على تحمّل تبعاتها، تضيف المصادر.
الا ان المعطيات كلّها تدلّ الى ان الدولة اللبنانية، بغطاء رئاسي تام من الرئيس عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وبذراعها الدبلوماسية، ماضية في مساعيها حتى "النهاية" وصولا الى حدّ "تدويل" الأزمة، حتى "تحرير" الحريري. وفي السياق، يبدو ان لبنان لن يسكت عن اثارة التطورات اللبنانية في اجتماع وزراء الخارجية العرب الاحد المقبل في القاهرة، حيث اشار الرئيس عون اليوم الى "اننا سنلبي الدعوة مبدئيا للمشاركة في الاجتماع واذا اثير موضوع الازمة التي نشأت عن تقديم الحريري استقالته وما تلاها فسنواجه بالذرائع والحجج".
وهنا، تنبّه المصادر من مغبة الذهاب نحو خيارات تعارض الاجماع العربي، فلبنان لطالما كان شعاره "مع العرب اذا اتفقوا، وعلى الحياد اذا اختلفوا"، فأين الحكمة في أن يصوّب على الرياض فيما الكباش اليوم في المنطقة طابعه "عربي - فارسي"، والحري به أن يعلن تمسّكه بسياسية النأي بالنفس عن الصراعات ويطمئن الى انه في صدد الالتزام بها قولا وفعلا. وتلفت المصادر الانتباه الى ان "حجّة" لبنان، في حال قرر رفع السقف الاحد، ستكون "ضعيفة". فهو يرى ان تصرّف المملكة تجاه رئيس حكومته يُعدّ عدوانا على كرامة لبنان، الا ان الاخير في المقابل كان البادئ الى "تصدير" الاعمال المخلة بالامن الى المنطقة، عبر غضّه النظر عن نشاطات "حزب الله" في الميادين العربية، أكان في سوريا أو اليمن أو الكويت أو البحرين.
من هنا، تقول ان على الدولة درس خطواتها جيدا، والانكباب على معالجة أسباب "الغضبة" السعودية بدل الامعان في توتير العلاقات معها والتلهي بمسألة عودة الحريري التي لا بد حاصلة وقد باتت وشيكة وقد تسرّعها أكثر مشاوراته مع وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان في المملكة في الساعات المقبلة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك