بعد طول انتظار، خرق رئيس الحكومة سعد الحريري "جدار الصمت" الثقيل الذي اعتصم به أسبوعا كاملا ليضع النقاط على حروف استقالته. وإذا كان الحريري بدا حريصا على طمأنة اللبنانيين ، فإنه لم ينس توجيه رسائل واضحة إلى العهد تبدو بمثابة شروط جديدة ربط بها المرحلة الثانية من التسوية التي مر عامها الأول مطبوعا بالاختلالات التي لم تنزل بردا وسلاما في السراي. فبعدما حرص رئيس الحكومة على التشديد على أهمية حياد لبنان، فإنه رمى بوضوح كرة النار هذه في الملعب الرئاسي، بما يعني أنه ترك للرئيس ميشال عون التفاهم مع حليفه الأول حزب الله على إشكاليتي السلاح والنأي بالنفس. غير أن العونيين، الموافقين على "مبدأ" النأي بالنفس يشترطون تطبيقا عادلا له، بما يتيح تطبيقه على أرض الواقع.
وفي معرض التعليق على إطلالة الحريري التلفزيونية، اعتبرت مصادر في تكتل التغيير والاصلاح لـ "المركزية" أن "المثل القائل "إذا أردت أن تطاع، فاطلب المستطاع"، ينطبق على الوضع الراهن. وكل ترجمة واقعية لـ "النأي بالنفس" تتطلب سريان المبدأ على الفريقين في لبنان. ذلك أن المشهد الراهن يُختصر كالآتي: لا يُعتبر مبدأ النأي بالنفس محترما إذا كان حزب الله يقاتل في اليمن. أما إذا سلح فريق معين المعارضة السورية والارهابيين، فهذا لا يتعارض والنأي بالنفس، علما أن هذا الأمر كان يجري قبل دخول الحزب الحلبة السورية""، مشيرة إلى أن "كما المطلوب منا أن نثني حلفاءنا عن التدخل في الأزمة اليمنية، يجب أن ينأى الفريق الآخر بنفسه عنها. بالنسبة إلينا، نحن مستعدون لبذل كل ما في وسعنا من جهود لعدم الوصول إلى الحائط المسدود".
وعما إذا كان الرئيس عون على استعداد لفتح حوار جدي مع حليفه حزب الله لوضع إشكالية سلاحه وتموضعاته الاقليمية على بساط البحث ، لفتت المصادر إلى أن "إذا لم يتأمن حل إقليمي لهذا الموضوع، سيبقى عض الأصابع قائما، ونحن نتمنى أن تعود مصر إلى لعب دورها الطبيعي على الساحة العربية، وإذا لم نصل إلى سلام، فيما العدو في أفضل حالاته، وإن لم تتحرك مصر، ستزيد المشكلات تعقيدا، ما يعني أن لبنان سيستمر في دفع الاثمان الباهظة. لكن الحوار أفضل من عدمه"، مشددة على أن "الحوار مع حلفائنا لم يتوقف يوما. غير أننا واقعيون ونتمنى الوصول إلى حلول منطقية. أما بقاء الوضع الاقليمي على ما هو عليه، فلا يدعو إلى انتظار المخارج قريبا".
وفيما يترقب الجميع الخطوة الرئاسية التالية، بعدما أطل الحريري ووضع بعض النقاط على حروف خطوته المفاجئة ، يتحدث كثيرون عن ضرورة العودة إلى إعلان بعبدا الذي نال إجماع الأقطاب المتحاورين في عهد الرئيس ميشال سليمان. لكن، وفي ظل خلافهم الكبير مع سليمان، لا يقارب العونيون الأمور من هذا المنظار، نظرا إلى الشياطين الكامنة في التفاصيل االسياسية. ذلك أن المصادر تشير إلى أن "لا يجوز أن يكون لبنان على المسافة نفسها من الملفات العربية والقضية الفلسطينية. غير أن هذا لا ينفي أن الجميع يلتقي على العناوين الكبرى، وإن كان الشيطان في التفاصيل، وفيما نحن لا نعود إلى إعلان بعبدا في تسميته، نكتفي بالقول إن مبدأ الحوار والنقاش أمر جيد في ذاته".
أما على الصعيد السياسي الداخلي، أعلن الحريري بوضوح أنه سيبقى على رأس حكومة تصريف الأعمال حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة، في موقف فسر على أنه ضربة قوية إلى العهد، بفعل الصلاحيات الضيقة لحكومة تصريف الأعمال، مع ما يعنيه ذلك من تقليص لمساحة الحركة لأهل الحكم. وفي هذا الاطار، تكتفي المصادر بالاشارة إلى أن "لا فيتو من القوى الفاعلة على الأرض بالنسبة إلى خيار حكومة تكنوقراط تُجري الانتخابات، لكن إذا كان الحل في حكومة تكنوقراط تنال موافقة الجميع، فيكون هذا الاحتمال قابلا للبحث، وإلا فإن الحكومة الحالية تبقى أهون الشرور".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك