البعض، من جمهور الأحزاب، مثل جمهور كرة القدم. يجدون دوماً أنّ أداء فريقهم كان أفضل، ويغفرون للاعبيهم أخطاءهم، ويعتبرون أنّ قرارات الحكم ليست عادلة.
يهوى جبران باسيل كرة القدم ويمارسها، على الرغم من انشغالات الجمهوريّة وأحوالها الدبلوماسيّة ويدرك حتماً التشابه بين جمهور الأحزاب وجمهور اللعبة، ويعرف أنّ الإثنين في عطش للانتصارات، لكنّه وإن تذوّق مرارة الخسارة لا يكفّ عن التشجيع.
حين يستيقظ جبران باسيل من النوم، يتلقّى غالباً رسائل من مقرّبين عبر تطبيق "واتساب" هي روابط لمقالات تتناوله في الصحف. يكاد لا يمرّ يوم من دون مقال يهاجَم فيه باسيل، خصوصاً من ذوي القربى في السياسة. ودّعته "السفير"، قبل الإقفال، بمانشيت "جلّ البترون"، وحملت "الأخبار" المشعل عبر مقالات منتقدة شبه يوميّة، ما كانت "العمل" الكتائبيّة لتكتب مثيلاً لها لو عاودت الصدور.
ممّا لا شكّ فيه أنّ باسيل شخصيّة مستفزّة، بأسلوبه في الكلام كما في مقاربته لبعض الملفات، ولربطه الديني بالسياسي، وفي ذلك "شعرة" استغلال يقطعها أحياناً، وخصوصاً لسرعة صعوده وصولاً ليصبح الشخصيّة الأكثر تأثيراً في الحياة السياسيّة اللبنانيّة ورئيس أكبر حزب مسيحي، ووزير دائم سيكسر حتماً في المستقبل الرقم القياسي للسياسي الأكثر توزيراً.
بلغ باسيل بعضاً من "مجده" لأنّه صهر الرئيس ميشال عون. الأمر محسوم، وفي تجاهله تعامٍ عن الواقع. لكنّ الرجل يملك من الذكاء والطاقة ما يندر تواجده في سياسي واحد. هو "ليبرو" يقود الفريق، بلغة كرة القدم، يتقدّم نحو الهجوم، يوزّع اللعب ويسجّل الأهداف.
ليس جبران باسيل، في وزارة الخارجيّة، من قامة فؤاد بطرس ولا هو من طراز فيليب تقلا، ولا يشبه في فكره الدبلوماسي شارل مالك. إلا أنّه أبرع من هؤلاء جميعاً في "التركيبات السياسيّة"، ويملك في قبّعته ما يوازي عدداً أرانب نبيه بري، "ساحر الجمهوريّة".
ولكن، يُسجّل لباسيل سعيه الاغترابي لإعادة بعض الكفاءات التي هاجرت وتحوّل أصحابها الى أصحاب ملايين، ولو أنّ بعضهم تحوّل من ميشال الى ميغال ومن جوزف الى خوسيه، ومن محمد الى مايك!
أما على صعيد التيّار الوطني الحر، ففشلت الرهانات على أنّ باسيل سيرث تيّاراً شعبيّاً كبيراً ليتحوّل معه الى تيّارات يتقاسم النفوذ فيها نوّاب وقياديّون. أمسك باسيل بمؤسّسات "التيّار"، بمواقع القرار، الذي بات محصوراً فيه، ولو مع وجود تكتّل ومجلس سياسي يبقيان من "ديكور" الحياة الحزبيّة في لبنان، حيث الأمر للرئيس فقط. وبمواقع المال ومؤسّسات الإعلام، وبملف التعيينات وبالوزارات التي يتولاها "برتقاليّون" أو محسوبون على رئيس الجمهوريّة، ولو أنّ التمييز بين الفئتين مهمّة مستحيلة. هل من فارق بين سليم جريصاتي وسيزار أبي خليل، غير "فولار" الثاني؟
يسير جبران باسيل نحو خلافة ميشال عون على رأس الجمهوريّة بعد خلافته على رأس "التيّار". هذا واقع لا يمكن إنكاره. الصدام محسومٌ إذاً مع بعض الحلفاء، عاجلاً أم آجلاً. الكيمياء ليست، أصلاً، بأحسن أحوالها مع سمير جعجع. لكنّ باسيل، هاوي كرة القدم، يجيد المراوغة وسرقة الأهداف، وتسديدته الذهبيّة ستكون نحو مرمى بعبدا. اما كلّ ما يقوم به اليوم، فهو السعي للاقتراب، أكثر فأكثر، من منطقة الجزاء. فهل ينجح "كابتن" فريق العهد، الرئاسي لا الكروي، بالتسجيل؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك