في همس الجبال، وطيبة أبناء الجرود، اختلطت صلابة الإيمان بحنية المؤمن في قلب بطرسية...
تحت سماء حملايا، تربت طفلة كانت في مغارتها تركع للصلاة كما علمتها والدتها، التي رحلت تاركة بطرسية في السابعة من عمرها. وبعد زواج والدها الثاني، وخلاف عائلة والدتها وزوجة أبيها على تزويجها، قررت بطرسية أن تترك حملايا، اختارت أن تدخل الدير.
بعد الابتداء في جمعية المريميات التي تعرضت لأزمة لاحقا، وتنقلها وفق الأوامر التي أعطيت لها، انتقلت إلى مار القرن في أيطو لتبدأ حياتها في الرهبانية اللبنانية المارونية.
عند قرار تأسيس دير مار يوسف الضهر في جربتا، نقلت ست راهبات من أيطو برئاسة الأم أورسلا ضومط المعادية. كانت بداية مشوار تسلحت فيه الراهبات بالإيمان والعزيمة، وبينهن راهبة أثقلها المرض والوجع، لكن أي تذمر لم يخرج يوما منها.
أعظم أنواع التضحيات عاشتها رفقا، وأعظم مثال على الحب اللامتناهي مع الله جسدته، عندما طلبت لنفسها أن تكون شريكة المسيح في آلامه، وأن تعيش بعضا من آلامه. أقعدها المرض، وامتد الوجع إلى عينيها، لكن بعد عرضها على طبيب أميركي، ورفضها أي بنج، اقتلع الطبيب عينها عن طريق الخطأ، فما كان منها إلا أن جازته بالشكران، بإيمان المسيح المطعون بالحربة الذي سامح أعداءه. ألم تكن رفقا هي التي أضافت جرح الحربة السادس إلى جروح المسيح؟
كلما انطفأ من عيني رفقا النور أكثر، كلما شعت إيمانا على أخواتها الراهبات... راهبة بسيرة مثالية، بلغ بها الإيمان حد الزحف إلى القداس، لعدم تمكنها من المشي. وفي كل مرحلة، كلمة واحدة على شفتيها: مع آلامك يا مسيح.
بعد وفاتها عام ألف وتسعمئة وأربعة عشر، أبهر النور المقدس الذي شع من قبرها كل من شهد عليه، وكانت أولى عجائبها مع رئيسة الدير التي عانت ورما في عنقها، اختفى بعد التبرك من تراب قبر رفقا. فناذرة الألم أصبحت شفيعة المتوجعين، وشريكة المسيح في الفداء، ومثالا لراهبة لبنانية طلبت أن تشارك المسيح في الألم، فما قبل إلا أن يشاركها القداسة...
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك