يعرف سليمان فرنجيّة، أكثر من أيّ أحدٍ آخر، أنّ الطريق بين بنشعي وبعبدا هي أبعد اليوم أكثر من أيّ وقتٍ سابق. وصلت لقمة الرئاسة الى فم فرنجيّة. نام رئيساً ليلةً واثنتين وثلاث. استقبل المهنّئين وأجاب على اتصال فرنسوا هولاند. طار هولاند وطارت الرئاسة. إنّها السياسة اللبنانيّة اللعينة التي لا تضمن الاستيقاظ على ما هو أفضل من أحلام المنام.
ليس رئيس تيّار المردة النائب سليمان فرنجيّة مرشّح موسم. هو سيكون مرشّحاً للرئاسة عند الاستحقاق الانتخابي المقبل، وإن لم يوفّق ففي الذي يليه، والذي يليه. هو يملك قاعدة شعبيّة ثابتة، لا تتأثّر بحجم حضوره الوطني الذي قد يتراجع أو يتألّق، وفق الظروف، في الداخل والإقليم.
من المؤكّد أنّ الاتفاق المسيحي - المسيحي انعكس سلباً على فرنجيّة. بل لعلّ الأخير من أبرز صانعيه وضحاياه في آن. تقوم السياسة اللبنانيّة، بنسبة كبيرة، على "النكاية". عجّل ترشيح سعد الحريري لفرنجيّة في تفاهم الرابية - معراب، بهدف قطع الطريق على الماروني الثالث. ما اتفق مارونيّان إلا نكايةً بثالث. سيتّفق الإثنان أيضاً في الانتخابات النيابيّة لخرق لائحة فرنجيّة في زغرتا، ليس لتخسيره نائباً فقط بل لتشويه صورته كمرشّح رئاسي. لعلّها المرّة الأولى التي يُستعدّ فيها للانتخابات الرئاسيّة بعد أشهر قليلة على انطلاقة عهد.
إلا أنّ سلاح فرنجيّة، عدا عن ثبات الموقف الذي يحترمه الخصوم ويقدّره الحلفاء، هو الواقعيّة السياسيّة. يعرف أنّ هذه الأيّام ليست أيّامه، بل هي أيّام جبران باسيل الذي، يقول "عونيّون" و"مرديّون"، إنّ التوتّر في العلاقة معه كانت سبباً في ما وصلت إليه العلاقة بين "الأب وابنه"، كما كانت توصف العلاقة بين الرئيس العماد ميشال عون وزعيم "المردة". فضّل الرئيس عون الصهر الحقيقي على "الابن السياسي".
وعلى الرغم من أن لا ثابت في السياسة إلا المصالح، فإنّ من المستبعد أن تعود العلاقة بين بعبدا، ومعها الرابية، وبنشعي الى "أيّام زمان". ثمّة إجماع على أنّ الجرّة انكسرت نهائيّاً. ارتفع بينهما حائطٌ كبير من الخلافات و"الكلام الكبير"، الذي يُقال في المجالس الخاصّة، والطموح الرئاسي.
لكنّ سليمان فرنجيّة لا يقف مكتوف الأيدي. بدا واضحاً، في الأسابيع الأخيرة، أنّه خرج تماماً من صدمة الرئاسة وانطلق في حركة سياسيّة على الصعيد الشعبي بعد تقصيرٍ في هذا المجال لصالح اتصالاته مع المرجعيّات السياسيّة خصوصاً في مرحلة ما قبل الرئاسة.
يجلس سليمان فرنجيّة في هدوء بنشعي. يرى الأمور بوضوح من البيت ذي الجدران الخشبيّة. يرصد المحطّات السياسيّة الآتية كما يرصد طريدته في رحلات الصيد البرّي. علاقته ثابتة مع رئيس مجلس النوّاب نبيه بري. يحرص على عدم العودة الى الوراء في العلاقة مع رئيس الحكومة سعد الحريري، على الرغم من ملاحظاته الكثيرة عليه. أما مع حزب الله، فالتحالف قائم، وغيمة الانتخابات الرئاسيّة التشرينيّة مضت. لعلّ فرنجيّة الذي غرّد، منذ أيّام، ردّاً على باسيل بالقول "شاهد ما شفش حاجة"، ينتظر الفرصة المناسبة ليقول لـ "الحزب": "كنت شايف لوين واصلين"!
لعلّه قالها... واللهُ أعلم.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك