آخر مرّة رأى فيها العرب رقصاً على التلفزيون، كانت نادية الجندي تتمايل في أحضان محمود عبد العزيز، وتكرَّرَ هذا المشهد في السينما العربية مع كلّ الممثلات تقريباً، حتى ترسّخَ في أذهاننا أنّ الرقص مجرّد إغواء، وهو محصورٌ فقط بالنساء، ولا يمكن فصلُه عن صفتِه الشرقية. ولكن على الـMTV يبدو أنّنا بدأنا نفهَم أنّ الرقص «مِش عيب» وليس مرتبطاً مباشرةً بالجنس.
من حقّنا جميعاً أن نرقص
تحت «الدوش»، أنت وهو وهي وأنتم وأنا، جميعنا يغنّي بمهارة غير مسبوقة، لكنّنا لم نجد بعد المكان الذي يمكننا الرقص فيه كما لو أنّ لا أحداً يشاهدنا، ويبدو أنّنا ورثنا هذه العادات «العنصرية الفنّية» سواءٌ من تربيتنا العائلية الشرقيّة المنحى أو من الثقافة الجماعية التي صوّرَت لنا طوال سنوات نشأتنا أنّ المرأة هي المسؤولة الوحيدة عن مهامّ الرقص في كلّ المناسبات، ولا تتعدّى مهمّة الرجل لعبَ دور المساعد في تنفيذ «الوصلة».
ولا أيٌّ من أصابعنا العشرة يكفي لنختبئ خلفَه من هذه الحقيقة التي تتجلّى بوضوح في السهرات والحفلات، حيث يشهد الجميع على الاحتراف النسائي في تنفيذ أصعبِ حركات الرقص وعلى قلّة الخبرة الذكورية في «هزّ الكرش» بشكل غير مدَوزَن.
وأصحاب «الكروش» الفكرية والجسدية الذين ظنّوا العامَ الماضي أنّ الرقص حِكرٌ على النجوم، لم تطُل راحةُ بالِهم كثيراً بعد أن بدأت محطّة الـMTV هذا الموسم عرضَ برنامج «يلّا نرقص» وهو النسخة العربية من برنامج «So You Think You Can Dance» الذي يبحث عن أفضل راقص أو راقصة من العالم العربي.
والمشتركون في البرنامج ليسوا أبداً من النجوم بل من بين أولئك الشباب والشابات الذين نلتقي بهم يومياً في حياتنا، والذين أثبتوا لنا طوال حلقات البرنامج أنّ الرقص لا يفرّق بين جنس ولون وهويّة، وأنّ الشباب قادرون أن يبرعوا بقدر الشابات، لا بل أكثر أحياناً، في أداء كافة الرقصات بغَضّ النظر عن المدرسة التي تنتمي إليها ومهما بلغت درجة صعوبتها.
وبعد أن امتلأت الشاشات المحليّة والإقليمية ببرامج البحث عن أجمل الأصوات، خطت الـMTV وحيدةً وبجرأة نحو البحث عن أفضل مواهب الرقص العربية، ففتحَت أمام أعيننا نافذةً واسعة على عالمٍ نجهل الكثير من أسراره ولم نتعلّم من قبل التمتّع بجمالياته.
ربّما يحتاج المشاهد العربي إلى بعض الوقت ليفهمَ هذا النوع من البرامج، لكن صيغة برنامج «يلّا نرقص» وشكله يساهمان أسبوعاً بعد أسبوع في رفع مستوى الحماس لدى المتابعين ليزيدَ معه تلقائياً مستوى الوعي لدي المشاهدين في التقرّب أكثر من هذا الفنّ الذي لم يعتادوا عليه.
ولا يقتصر الأمر على الترفيه والحماس فقط، إذ إنّ مقدّمة البرنامج ريتا حايك لا تبخل أبداً في تعريفنا على أسماء الرقصات وتزويدنا بمخزون من المعلومات التي تغني ثقافتنا البدائية في الرقص. وخبرة المخرج باسم كريستو الذي درّب كاميراته على مدى موسمَين سابقين في برنامج «الرقص مع النجوم»، تسهّل كثيراً مهمّة إيصال الرقصات بسلاسةٍ متناهية إلى أعين المشاهدين التي بدأت تعتاد على جنون الرقص الجميل.
كلّ بيتٍ كان قد أقفل الباب على ابنِه المهووس بالرقص لاعتقاده أنّ ذلك يقلّل من «ذكوريته المنتظرة»، أو حرمَ ابنتَه من الخروج مع صديقاتها لأنّها ترقص كثيراً ويمكن أن تدنّس شرفَ العائلة يوماً ما، بات اليوم يعرف أنّ ميولَهم الفنّية يمكن أن تتجلّى جمالاً في الحركة والتعبير على إحدى تلك المسارح الخشبية أو الرقمية، وأنّهم يمتهنون الرقص وليس الهزّ، وأنّ من حقّنا جميعاً أن نرقص.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك