إلى كلّ مَنْ دخلَ إلى الرّابط فقط لأنّه قرأ كلمة "العاري "في العنوان، نقول له إنّه أخطأ في الظنّ. فعلَّ ما سيُكتَبُ الآن، يوضح له أنّ ظنونَه لم تكن في مكانها وأنّ نوايانا ليست سوى نوايا حسنة.
إذا أردنا تفسير عبارة "الغناء العاري"، فلا بدّ من القول إنّه الغناء غير المصاحَب بموسيقى أيْ الغناء غير المرافَق بآلات موسيقيّة. من هنا، جاءت كلمة "العاري" لتبرّر واقع عدم وجود آلات مرافقة للمغنّي. إلاّ أنّ هذا المصطلح، بحسب أستاذة الغناء الشرقي د. غادة شبير، "ليس مصطلحاً علميّاً يُستخدَم في علم الموسيقى"، بل هو تبسيط لهذا الواقع، بالرّغم من رفض البعض له على اعتباره مصطلحاً رخيصاً إلى حدّ ما.
يُعتبَر مصطلح “A Capella” العبارة - الأصل في ترجمة هذا الفعل الموسيقيّ. وهي عبارة مأخوذة من إيطاليا وتعني "الغناء على طريقة الكنيسة" حيث كان المرنّمون يرتّلون من دون مرافقة الموسيقى لهم.
تقول شبير إنّ واقع التّرنيم تبعاً لهذا الأسلوب تغيّر كليّاً في السنوات الخمسين الأخيرة لدى الكنيستين المارونيّة والكاثوليكيّة بعد أن أُدخلت آلات النّاي والعود والقانون، على سبيل المثال، إلى الترانيم الدينيّة المسيحيّة تيمّناً بالموشّحات الحلبيّة وغيرها. في حين أبقَت الكنيسة البيزنطيّة على هذا الأسلوب، على الرغم من أنّ استبعاد العزف عن الصلاة يُعتبَر من الفروض الدينيّة سواء لدى المسيحيّين أو المسلمين.
أوّل من اعتمد هذا النوع من الغناء كانت المجتمعات الشرقيّة قديماً، قبل الغربيّة، حيث سادت الصلوات السريانيّة والبيزنطيّة في عهد المسيحيّين الأوائل. وظهر فيما بعد لدى المسلمين عام 600 م. على شكل الإنشاد الدينيّ.
يتميّز الغناء "العاري" عن غيره، بحسب شبير، بأنّه يجعل من الصّوت صوتاً أكثر حريّة وأكثر جماليّة ويضفي طابعاً ملائكيّاً عليه. يساعد المغنّي والمستمع على الابتعاد من ضجيج الحياة اليوميّة نظراً إلى أنّه يحتوي على شيء من الروحانيّة.
أمّا بالنسبة إلى نوع الغناء الذي يُظهر صعوبةً أكثر في التأدية ما بين الغناء المصاحَب بالموسيقى وغير المصاحَب بها، فكلّ منهما يأتي صعباً في مكان معيّن.
فمن الصعب جدّاً على المرء أن يغنّي بدون آلات موسيقيّة، إذ أنّه عليه تكبّد مهمّة تعبئة كلّ الفراغ الذي يحدثه غياب الموسيقى من خلال حسن اختيار القطعة واعتماد تقنيّة معيّنة في الأداء لبلورة جمالها ولتجنّب الوقوع في الابتذال. كذلك، من الصعب الغناء مع فرقة موسيقيّة من حيث التأقلم مع عزفها وعدم الخروج عن الإيقاع.
لم يقفْ هذا الأسلوب من الغناء عند حدود الترنيم والإنشاد الدينيّين، بل تطوّر وبات يشمل أيضاً الأداء الآتي تحت عنوان "أغنية" حيث تُغنّى القصيدة أو الشعر الغنائي الحديث اللّذين يتناولان إشكاليّتي الحبّ والرومانسيّة وما يتفرّع عنهما من مواضيع ذات صلة. لا بل يمكن القول عن كلّ مَن يلجأ، في عصرنا هذا، إلى الغناء بلا مرافقة آلات وينجح في البقاء على الطبقة المناسبة بلا نشاذ مع امتلاك القدرة على إيصال الإحساس، إنّه أقدم على خطوة مليئة بالجرأة، بالتحدّي وبـ "المَرْجلة". ولكن، سؤال يُطرَح، مع افتراض توسّع هذه الظاهرة أكثر فأكثر في المستقبل: "هل من السهل على الناس تقبّل سماع هذا النوع من الأداء لمدّة طويلة"؟
أمّا للذين يتساءلون عن ارتباط الغناء "العاري" بالمغنّيات العاريات، فليس هناك ارتباطاً بينهما بقدر ما هناك تبايناً بين الجوّ الذي يوحي به "عُريّ" الغناء وبين ذاك الذي يوحي به عُريّ الأجساد...
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك