لم يجتمع مجلس الوزراء منذ أكثر من أسبوعين. لم يجد مجلس الوزراء حاجةً للاجتماع منذ أكثر من أسبوعين. وهو لن يجتمع هذا الأسبوع، وقد لا يجتمع في الذي يليه. الخلاصة، أنّ الحكومة لا تجد نفسها مضطرّة للانعقاد والنظر في شؤون الناس، ومنهم من تظاهر واعتصم في الأمس، في أكثر من منطقة، ومنهم من سيتظاهر اليوم وسيفعل ذلك في الآتي من الأيّام التي تفصلنا عن عيد العمّال، ويليه عيد الشهداء، وما أشبه العيدين.
إنّ إقرار قانون الانتخاب حاجّة ماسّة، إلا أنّ العجز عن إقراره لا يعني أبداً شلّ البلد والإغفال عن البحث في مشاريع وإصدار التعيينات حيث يلزم، وتحويل وزارات الدولة الى وزارات فاعلة، وإطلاق ورشة انتظرناها طويلاً، منذ أن بدأ العهد وتشكّلت الحكومة وعُقدت الآمال. قد يفيد السؤال، في المناسبة، عن أحوال هذه الآمال. ويفيد السؤال، أيضاً، عن بلدٍ غير لبنان على هذه المستديرة لا يُقرّ فيه قانون انتخاب إلا بالتوافق بين جميع القوى السياسيّة فيه. وما الحاجة الى التصويت؟ الديمقراطيّة لا تستحقّ اسمها إلا إذا كانت جامعة. هذه فتوى أخرى في بلد الفتاوى العجيبة.
ولكن، إذا كانت هذه الطبقة السياسيّة عجزت، منذ أن اكتشفت أنّ "قانون الستّين" المعدّل في الدوحة أبغض الشرور، عن الاتفاق على قانون انتخاب جديد، فما الذي سيجعلها، في الأسابيع القليلة الفاصلة عن السقوط في محظور الفراغ، قادرة على إنتاج قانون، وقد اختبرت الصيغ المطروحة مختلف التقسيمات والدوائر والمربّعات والمستطيلات، وبات السياسيّون يقفون أمامها كالحسناء ابنة العشرين، التي تتغنّج أمام طالبي الزواج منها: هذا قصير، وهذا سمين، وهذا أجعد الشعر وذاك بلا شعر...
"العريس" بلا شعر، أما نحن فبلا رأس، ربما. نحن الذين ننتفض إن تسرّب اليأس الى مواطن من عهدٍ كان ينتظر منه أكثر ممّا كان، حتى الآن. فنحاكمه على "قلّة الإيمان"، إن كنّا من مناصري العهد. ومنّا من ينتفض إن توجّه "مشكّك" بالسؤال الى رئيس الحكومة عن سبب عدم دعوتها الى الاجتماع، وقد مرّت عطلة عيد وستمرّ أخرى، ولا جلسة ولا مقرّرات ولا جفون ترفّ ولا ضمائر تهتزّ. وينتفض البعض الآخر إن خرج من ينتقد رئيس المجلس، لكأنّه مسّ بشرف طائفة واهتزّ تحت ثقل كلامه جبل عامل، ولو أنّ نوّاب المجلس لو كانوا مياومين لما استحقّوا أكثر من راتب شهرين عن ولاية مُدّدت مرّتين، والثالثة على الطريق تنتظر الإخراج المناسب.
الشعب كلّه يُضرب بالعصي، لكن ثمّة من يظنّ أنّه يعدّها فقط. لذا، قد يكون مستحقّاً لها، تماماً كاستحقاقه ما يصيبه، راضياً مستسلماً. ولعلّ عدم اجتماع الحكومة ليس أوّل المصائب، فهل يكون آخرها؟ بالتأكيد لا. لعلّه، إن عددنا المصائب، لوجدنا أنّه أهوَنها.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك