ثمّة محطات من سيرة رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون غير معروفة إلا من قبل قلّة من المقرّبين ومن المطّلعين عن كثب على هذه السيرة. من هذه المحطات إقدام عون على الاستقالة من الجيش، وقد روى تفاصيل هذه الحادثة في مقابلة أجرتها معه صحيفة "الحياة" حين كان في منفاه الباريسي.
يستعيد عون تاريخ 13 نيسان 1975 الذي انطلقت فيه الشرارة الأولى في الحرب، فيقول: "منذ اللحظة الأولى أدركت خطورة ما حصل، والدليل أنني اتصلت بأهلي وطلبت منهم مغادرة منطقة حارة حريك (في الضاحية الجنوبية لبيروت). شعوري بخطورة الحادث انطلق من مراقبتي للوضع وتحليلي للمسار الذي اتخذته التطورات. بعد أحداث صيدا التي تعرض خلالها منزلي لرشقات نارية نجت زوجتي منها بأعجوبة، ذهبت زوجتي وأقامت لدى شقيقها في شارع محمد الحوت في رأس النبع، ثم طلبت منها أن تغادر وتحولت المنطقة خطّ تماس.
في 13 نيسان مساء حدث هجوم على بلدة المية ومية وخطفر مسلحون عائلة العميد كليم واكيم (المفتش العام في قوى الأمن الداخلي). يومذاك طلب المدنيون النجدة ولم يتحرك الجيش لحمايتهم فقدمت استقالتي من الجيش وكتبت فيها أن جيشاً لا يتحرك لحماية المواطنين سيواجه قبل نهاية العام مشكلة، فإمّا أن يذوبه الحرّ وإمّا أن يجمّده القر. إذا كانت مشاركة الجيش في حماية المدنيين تحمل خطر الاشتباك مع مسلحين فإن المخاطر الناجمة عن عدم قيامه بهذا الدور أكبر بكثير. وهذا ما أكّدته الأحداث".
ويضيف: "بقيت يومها في صيدا حتى 28 كانون الثاني 1976. طلبت آنذاك من قائد المنطقة أن يخرج الجيش من الثكنة وأن ينتشر في بقعة يمكن الدفاع عنها بدل حشره في علبة سردين وانتظار توجيه الضربة إلى الثكنة. طلب قائد المنطقة نقلي، ربما أعتقد بأنني أشاغب، لكنني كنت في الواقع أحاول إنقاذ الثكنة التي لا يمكن الدفاع عنها من داخلها. أعتقد أنهم اقتنعوا لاحقاً برأيي لكن متأخرين. نقلت بالهليكوبتر من صيدا إلى اليرزة ومررت فوق الدامور ورأيتها تحترق".
وعمّا شعره حين تشرذم الجيش في تلك المرحلة، يقول عون: "بالغضب والمرارة، لكنني لم أفاجأ. أنا اعتبرت أن الجيش فرط منذ 13 نيسان، وتحديداً منذ حادث المية ومية مساء. قلت ذلك لرؤسائي يومها. قبل ذلك بكثير قلت لهم إن الجيش انتهى يوم طلبت القيادة في 1973 من العسكريين ارتداء الثياب المدنية خلال تجوالهم. كيف يبقى جيش لا يستطيع عناصره ارتداء بزاتهم على أرض وطنهم؟ أمر غريب فعلاً. بزة الجيش اللبناني تستفزّ المسلّح غير اللبناني على أرض لبنان! رفض قائد الجيش حنا سعيد في آخر 1975 استقالتي وبقيت. والحقيقة أنني كنت أنوي مغادرة الجيش لأنني لا أستطيع أن أكون متفرجاً فيما تتفكك المؤسسات وتنهار الدولة وتستباح السيادة".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك