تجوب السيّارة، التي تقلّك الى "مكانٍ ما" للقاء نائب أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم، طرقات الضاحية الجنوبيّة التي تنبض بالحياة. ما من دلائل ظاهرة على أنّ هذه المنطقة، التي تكاد لا تنفصل في الأذهان عن حزب الله، مهدّدة بعمل إرهابي في أيّ وقت، بل أنّ المؤشّرات كلّها تدلّ على أنّ الحياة طبيعيّة في هذه المنطقة. وحدها صور الشهداء المنتشرة، تقريباً، على كل مبنى والمرتفعة فوق الأعمدة ومعها صور السيّد حسن نصرالله تذكّرك بـ "الاستثناء" الذي تمتلكه هذه المنطقة.
يوحي الشيخ نعيم قاسم، من خلال التماس المباشر معه، بأنّه هادئ ومستمع ومحاور، ولو أنّ إطلالاته الإعلاميّة تكشف عن حدّة في شخصه تكاد تغيب تماماً أثناء مجالسته. من هنا، "أخذنا راحتنا" في طرح الأسئلة، وكان هذا الحوار الذي ننشره على قسمين، لبناني وسوري.
البداية، من الرئاسة، "أمّ الأزمات". يؤكّد الشيخ قاسم على "قناعة" حزب الله، فيقول: "الأجدر لرئاسة الجمهوريّة هو العماد ميشال عون، لاعتبارات عدّة لها علاقة بسعة تمثيله من ناحية ومواقفه الواضحة من استقلال الدولة ودعم المقاومة ومحاربة الفساد بالإضافة الى أمور أخرى، ومن حقّ التيّار الوطني الحر، الذي يملك تأييداً شعبيّاً واستقطب تأييداً مسيحيّاً إضافيّاً، أن يوصل عون الى الرئاسة".
ويتابع: "لو لم يكن هذا الواقع صحيحاً لما كان سعد الحريري أجرى في السابق اتصالات مع عون لوصوله الى الرئاسة، ولكن ما منع ذلك في حينها الموقف السعودي الذي أبلغه (وزير الخارجيّة الراحل) سعود الفيصل".
يضمّ الشيخ نعيم قاسم طرف عباءته نحو الطرف الآخر، قبل أن يكشف، للمرة الأولى على لسان مسؤول في حزب الله، أنّ "الأمر نفسه تكرّر منذ فترة وبدأت اتصالات بين الجانبين (التيّار الوطني الحر وتيّار المستقبل)، وما وصل إلينا من معلومات أنّهما كانا راضيين عن المباحثات الى درجة أنّه تمّ تحديد تاريخ 7 آب الماضي لوصول عون الى الرئاسة، وهما تباحثا في كلّ شيء، من رئاسة الحكومة وقيادة الجيش وقانون الانتخاب، وخرجا بنتائج إيجابيّة وبقناعة مشتركة بأنّ الانتخاب سيحصل في هذا التاريخ. ولكنّ من منع هو السعوديّة. في منع انتخاب عون رئيساً، فتّش عن السعوديّة".
وردّاً على سؤال عمّا إذا كان الرئيس فؤاد السنيورة هو من عرقل قرار "المستقبل"، أجاب قاسم: "إذا قالت السعوديّة نعم لعون، لا السنيورة ولا الغريبيّة (وهو نوع من الحلويات) يقفان في وجهها".
ولكن، ماذا عن الموقف الإيراني؟ يجيب القيادي البارز في حزب الله: "موقف إيران واضح، وهو ملتزم بما يقرّره حزب الله واللبنانيّون. وقد سبق أن تواصلت فرنسا والفاتيكان مع إيران وسمعتا الكلام نفسه: نوافق على ما يتّفق عليه اللبنانيّون".
"المشقّة" مع الحلفاء
يدفع هذا الكلام الى السؤال عن موقف "الأستاذ"، وهل من تبادل أدوار بين "الحزب" وحليفه الرئيس نبيه بري؟ يجيب قاسم: "لا تبادل أدوار، ولا يحمّلنا أحد ما لا قدرة لنا على تحمّله، ومن الطبيعي أن نختلف مع حلفائنا على بعض التفاصيل. بري وعون حليفانا، حتى لو اختلفا في ما بينهما".
السؤال الذي يُطرح هنا هو: لماذا لا يجمع حزب الله حلفاءه ويوفّق في ما بينهم؟ يجيب قاسم: "لا يفيد الجمع من دون اتفاق مؤكّد، بل سيؤدّي الأمر الى ما هو أسوأ. ونحن لا يمكننا أن نضغط على الحلفاء".
يعترف نائب أمين عام حزب الله بوجود "مشقّة مع الحلفاء في التفاصيل، إلا أنّ قاسمهم المشترك هو الإيمان بالمقاومة وبمواجهة العدو الإسرائيلي وبوحدة سوريا". ويضيف: "قابليّتنا للتنازل في الموضوع الداخلي كبيرة، ولكنّ بعض حلفائنا يتمسّك بالتفاصيل. ونحن، مع حلفائنا، لا نأمر بل نناقش".
ولكن، ألا يمكن أن تؤدّي التسوية الكبيرة في سوريا الى وصول رئيس وسطيّ أو وفاقيّ في لبنان، فيخسر حزب الله فرصة وصول حليفيه، عون وسليمان فرنجيّة؟
يجيب قاسم: "لم نترجم انتصارنا على إسرائيل في الموضوع الداخلي، ولن نترجم انتصارنا في سوريا في الموضوع عينه. ونحن لا نرغب بالدخول في النزاعات الداخليّة بل نحرص على الرؤية الاستراتيجيّة".
ويختم قاسم الحديث عن الرئاسة بالقول: "ما من شيءٍ يوحي بأنّنا ذاهبون الى انتخاب رئيس في وقتٍ قريب، والمسؤوليّة تقع على عاتق "المستقبل". ولا يراهنّ أحدٌ على ارتباط التسوية في سوريا بالرئاسة في لبنان، وسيبقى عون مرشّحاً مهما كانت الظروف، وإذا لم يختاروه سنبقى على هذه الحال".
هل يقاطع "الحزب" جلسات الحكومة؟
ومن الرئاسة الى الانتخابات النيابيّة، وهل يمكن أن تجري في ظلّ الشغور؟
يردّ قاسم: "لست أعرف إذا كان إجراء انتخابات نيابيّة ممكناً في ظلّ الشغور، ولكنّنا مع خيار الانتخابات ونرفض التمديد تماماً"، مشيراً الى أنّ حزب الله مع اعتماد النسبيّة ولكن إذا كان الخيار بين قانون الستّين والتمديد "فنحن ضدّ التمديد".
أما عن موقف حزب الله في ظلّ الأزمة الحكوميّة ومقاطعة التيّار الوطني الحر لجلسات مجلس الوزراء، فيؤكّد قاسم الرغبة في استمرار الحكومة، لافتاً الى أنّ "الحزب يدرس ما سيفعله بالنسبة الى حضور الجلسات". إلا أنّه يؤكّد، بشكلٍ جازم، بأنّ حزب الله مع استمرار الحكومة ويخشى من استقالتها وتحوّلها الى حكومة تصريف أعمال.
"لا" واضحة لاستقالة الحكومة يرفعها حزب الله إذاً. وثمّة "لا" أخرى يؤكّدها بحزم الشيخ نعيم قاسم: "لا للمؤتمر التأسيسي ولن ندعو إليه، واتفاق الطائف هو الحدّ الأدنى الدستوري الذي يؤدّي دور ضابط الإيقاع بهذا المستوى الهزيل، ولكنّ استبداله ليس حلاً، وما من مشروعٍ لدينا لتعديله بل نتمنّى الالتزام به".
جبران باسيل و"الإحراج"
ويرى قاسم أنّ ما حصل على طاولة الحوار "جزء لا يتجزّأ من الأزمة التي تكبر يوماً بعد يوم، والحلّ في أن نمضي فوراً الى انتخاب رئيس". أما عن المواقف التي أطلقها الوزير جبران باسيل في جلسة الحوار الأخيرة وما إذا كانت تُحرج "الحزب"، فيقول: "لسنا محرجين من مواقفه، وليحاسب كلّ واحدٍ على مواقفه ولنحاسب على مواقفنا فقط".
الحوار مع "القوات"
لم يكن الختام "مسكاً" مع الشيخ نعيم قاسم، ما دام السؤال عن "القوات اللبنانيّة". هل سيمنح حزب الله أصوات مناصريه لحليف حليفهم "القوات" في الانتخابات النيابيّة؟
يبتسم الشيخ نعيم قاسم، قبل أن يذكّر بما فعله الحزب في انتخابات زحلة البلديّة، "حين لم نلتزم باللوائح وصوّتنا لصالح التيّار وفتوش وسكاف"، ثمّ يضيف عبارة معبّرة: "نحاول دائماً أن نجمع الحلفاء معاً، ولكن إذا لم يتّفقوا عليهم أن يتحمّلوا مسؤوليّة خياراتهم، خصوصاً إذا خسروا الانتخابات".
وهل من حوار ممكن مع "القوات"؟ بوجهٍ أقلّ ابتساماً، يجيب الشيخ نعيم قاسم: "الحوار مع "القوات" ليس وارداً حاليّاً، ولو أنّ هناك محاولات من جانبهم، إلا أنّنا لا نرى الظروف مناسبة حاليّاً".
اقرأوا الجزء المخصّص لسوريا من الحوار مع الشيخ نعيم قاسم على الموقع
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك