في يوم واحد، حدّد الإنكليز ما سيكون عليه مصيرهم لعقود مقبلة. بهدوء تامّ، تقاطروا وصوّتوا... لم نسمع اتهامات بالغشّ أو استبدال صناديق ولا بشراء أصوات... لم نسمع بحملات تخوين أو شتائم... هم قالوا كلمتهم: أخرِجونا من الاتحاد الاوروبي! وهذا ما سيحصل.
على مسافة بعيدة من هناك، في قارة أخرى، وفي شرق حزين مرهق من ساكنيه، نقبع نحن. في تلك البقعة البعيدة، بلدنا الصغير، هو صغير بحجمه، إنما كبير "بفعله". نجعل من "الحبة قبّة"، ومن كلّ تفصيل واقتراع وقرار "قضية وطنية" نحرّكها بحسب أهوائنا على مواقع التواصل الاجتماعي. فمع كلّ حدث في لبنان، ولحظّنا "الأكشن مستمرّ من دون انقطاع"، تجدنا أسرعنا إلى حساباتنا على "فايسبوك" و"تويتر" ننظّر ونطلق النكات، ونبدع في إظهار براعاتنا في تركيب الصور.
آخر العالقين في شباكنا كان الوزير غير المستقيل سجعان قزي، الذي تمّ فصله من حزب "الكتائب" لرفضه قرار الاستقالة من الحكومة. فُصل الوزير من الحزب، ليتحوّل إلى "القصة كلها" على مواقع التواصل، وسط انقسام المحازبين بين مؤيد ومعارض له.
فالبعض كشّر عن أنيابه واستفاض في التعبير عن كرهه لقزي، ومن بين التغريدات، ما يأتي: "سجعان قزي فجعان كرسي"، "سجعان قزي الوحيد يلي عندو شغل كتير مش فاضي يستقيل والبلد كلّو بلا شغل"، "راح سجعان قزي ما بتخيّل فيق الصبح ولاقي الوزارة من دونك"، "الله الوطن العائلة بروحوا وبيرجعوا بس الكرسي إذا راحت أبترجعش"، " انا وزغير كنت فكر إنو ميشال قزي هو أزنخ واحد بالعيلة".
هذا، في وقت، رأى آخرون في ما حصل "فصلا تعسفيا" وغرّدوا ممتعضين: "حزب يدّعي الديمقراطية يفصل وزيرا من صفوفه من دون محاكمة أو حتى جلسة مساءلة، الإرهابي الأسير يعطى فرصة للدفاع عن نفسه، ماذا عن الوزير سجعان قزي"، "تحية إلى الاستاذ قزي لوقوفه بوجه الاقطاع السياسي، حزب الكتائب أصبح أضحوكة برئاسة الابن الضال ويجب اعادة تحجيمه واعطاء الدور للشرفاء".
وبعد قزي، نال الاتحاد الاوروبي وبريطانيا حصّة كبيرة من تغريداتنا، فحلّوا عن الوزير، وانكبّوا يشرّحون قرار الإنكليز، ويطلقون افكارا علّها تكون الحلّ الوحيد لمصائبنا، ومما كُتب، الآتي: "هل بإمكان اللبنانيين ان يصوّتوا لصالح مغادرة الشرق الاوسط"، "هل يكون انفصال المملكة المتحدة عن اوروبا مقدمة لانفصال لبنان عن ايران والسعودية واميركا وعن الكرة الارضية؟"، "هل يمكننا الانضمام إلى الاتحاد الاوروبي لنملأ الفراغ"، "إذا غادرنا هذا الشرق... وين منروح بالضيوف"، "خلصوا نتيجة استفتاء 40 مليون انكليزي بساعتين بشفافية ومكننة وعرض للنتائج بشكل واضح، وبعدو وزير الرقص والطقش عم يفرز أقلام الدايرة الأولى ببيروت، وفي صندوق هربان بالمصيطبة عم يركضوا وراه لاحقينو".
ومما كتب الممثل الكوميدي نعيم حلاوي الناشط جدا على موقع "فايسبوك": "حلاوي لرويترز: أرفض نتائج الاستفتاء البريطاني وسأتقدّم بطعن"، و"شو هالاستفتاء البارد الهَبَل يللي ما في أكشن ومال سياسي وشراء أصوات وتزفيت طرقات وإشكالات وخبيط وقطع كهربا بأقلام الاقتراع واختفاء صناديق وتلاعب بالنتائج ومواكب سيارة ورصاص ابتهاج؟ العمى كيف عايشين ببريطانيا؟".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك