ها نحن إستيقظنا باكراً، كان اليوم هو اليوم الموعود، ذاك الذي إنتظرناه طويلاً، ويا ليتنا لم ننتظر... ها نحن سمّرنا الأعلام الأبيّة، ألصقنا الصور في مختلف الأمكنة، ربطنا الأحذية بحزم، فالآتي علّه يكون مكتظّاً، صاخباً بمجده.
ها نحن ارتدينا الأجمل، وحملنا الأغلى، ووضعنا الأفخر، إصرارنا هذه المرّة غير عادي وعزيمتنا وللمرّة الأولى موحّدة، حتى أمي التي اعتدت على لبسها الداكن رأيتها بالأبيض الساطع، لحظة، ها هي ندهت لي "تعالي حبيبتي، إقتربي، فاليوم الحلم سينتصر"، أمسكت ريشتها ورسمته بتفنُّن رهيب على وجهي، رسمته والبهجة تتآكل ثغرها المتبسّم، رسمته... ويا ليتها لم تفعل. علمٌ لبنانيٌّ، أنار وجهي الصغير بألوانه الفريدة، لم أرَ غيرها ذاك النهار، نعم، وفي ساحة النهار أيضاً.
ها نحن تجمّعنا، أقرباء، أحباء وحتى غرباء، صعدنا الباصات باعتزاز وحماسة "بينحسبلا حساب"، ويا ليتنا لم نصعد... ها نحن تعرّفنا، تواصلنا، تكاثرنا، غنيّنا وهلّلنا، حتى "عمو جهاد"، سائق الباص لم يتمالك نفسه حينها فصفّق أكثر منّا. زحمةٌ خانقةٌ اكتسحت طريقنا من جبيل، فبيروت يومها إستقبلت ضيوف المذاهب والطوائف من المناطق كلّها، ضمّت جنوبها لشمالها، وأنزلت جبلها إلى ساحلها، وندهت بقاعها العنيد، فزحل زحلاً مخيفاً تلبيةً لندائها، ويا ليتها لم تفعل...
ها نحن وصلنا إلى مشهد تقشعرّ له الأبدان، هذه الساحة التي توجّعت، بكت، خسرت، تعبت، صرّخت مراراً، ها هي صمدت، فكّت شعرها ورقصت، أيا ليتها لم ترقص؟
الكاميراتُ لم تكفّ عن تصوير ملامحي التي نحتتها أميّ بإتقان وطنّي مبدع، أضواءٌ أفضل ما قدّمته، أنها جعلني أكتشف شغفي في الصحافة، حشودٌ صفّقت لقسم جبران بنبرة قويّة واحدة، شبكت أيديها بأمانة واحدة وأين "الأمانة" اليوم؟
ها نحن ركزّنا على مثابرتهم، إقتنعنا بخطاباتهم، عشقنا تطلّعاتهم السياسية المستقبلية، لكن بئس "حليمة" التي ما كفّت عن العودة "لعادتها القديمة"... إنتهى إحتفال "14 آذار" 2005 التاريخي، وها نحن عدنا وإنتظرنا نشرات الأخبار المسائية كي نفتخر بأنفسنا أكثر، عدنا ويا ليتنا لم نعد...
مهلاً لا لست أناقض نفسي، فالمعادلة بسيطة، إمّا أنه ليتنا لم نفعلها، أو أنه ليتنا فعلناها وبقينا وبقي الحلم معنا حلماً...
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك