بشكل غير اعتيادي وعلى نحو مُفاجئ، تبدلت اهتمامات «حزب الله» في لبنان والمنطقة، وتحولت أولوياته من الاستعداد الدائم والمستمر لحروب مرتقبة مع إسرائيل في شقّيها العسكري والأمني، إلى هجوم مركز ومتواصل ضد أبناء وطنه وتحديداً القوى الاستقلالية التي سقط لها على طريق الدفاع عن سيادة البلد في وجه المشروع الذي لا يزال يحمله الحزب، عشرات الشهداء وما زالت تتحمل تبعاته بتهديدات تتوزّع من السياسي إلى الجسدي.
لم تعد هناك محرمات سياسية يمكن أن يركن اليها «حزب الله» في طريقة تعاطيه مع خصومه السياسيين، ومع سقوط هذه المحرمات الناتجة عن سقوطه العسكري المدوي في سوريا، بدأ يبحث عن موقع جديد يُمكن أن يُعيد اليه البريق الذي فقده نتيجة انغماسه في هذه الحرب والتي تكبد خلالها ما لا يقل عن ألف عنصر بينهم أكثر من 300 سقطوا فقط في «مستنقع الزبداني»، وهو الذي ذهب إلى تلك الحرب من دون العودة إلى الدولة التي يتباكى اليوم على حكومتها ومؤسساتها بعدما أفرغها من قيمتها ورمزيّتها وبعدما حوّلها إلى بازار متنقل لتحقيق مكتسبات في المواقع وعلى الأرض.
من يتابع تصريحات قادة الحزب المستمرة ضد تيار «المستقبل» والآخذة بالانعكاس على جمهوره وبيئته بشكل سلبي وسيّئ، لا بد وأن يشعر تماماً بأن ثمة ما هو أبعد من مجرد اختلاف سياسي يمكن أن يصل في بعض جوانبه إلى حد الاغتيال الجسدي، وهو أمر واضح يظهر من خلال لغات التخوين والارتهان والعمالة للخارج، التي بات يفرد لها مساحات واسعة في إعلامه ولا يوفّر مناسبة عزاء أو فرح إلا ويستغلّها بأبشع صورها وكأن المطلوب تهيئة الظروف الفعلية للانقضاض على شركاء الوطن للتخلص منهم بأي وسيلة وبكافة الطرق.
هجوم نواب وقادة «حزب الله» المنظم ضد «المستقبل» والمندرج ضمن مخطط يهدف الى ضرب الاستقرار في البلد وإلى منع قيام الدولة ومؤسساتها وفي طليعتها رئاسة الجمهورية، بات يستوجب طرح مجموعة أسئلة حول الأهداف المبهمة والمخفية التي من أجلها يصوّب الحزب سهامه المسمومة. ماذا يريد الحزب من وراء هذه الهجمة الشرسة وإلى أين يُريد أن يصل بها وما هي المكتسبات التي يسعى إلى تحقيقها خصوصاً بعدما وصل شق كبير من تهديداته إلى حد المس بكرامة الشهداء؟، وهو الذي يُقيم الدنيا ولا يُقعدها لمجرد الاعتراض على قتله أطفال سوريا.
ومن منطلق أن السكوت عن اتهامات «حزب الله» لم يعد بالأمر الجائز لا سياسياً ولا أخلاقياً، فقد رد بالأمس رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة على اتهامات الحزب التي تخطت حدود اللياقة بعدما وصلت إلى حد الافتراء والتجنّي بالقول «عندما يتهم الحزب تيار المستقبل بهذه الاتهامات فإنه ينظر الى المرآة وعندما يرى ما يقوم به يرده الى الآخرين بينما هو الذي يرتكب هذه الأفعال على قاعدة «اللي فيكي حطيتيه فيي»، وقبله كتلة «المستقبل» التي أشارت إلى «دموع التماسيح التي يذرفها الحزب على حقوق الإنسان في اليمن، حلقة وحلقات التباكي الكاذب على دماء العرب والمسلمين«. ولتسأله عن «الانقلاب على إرادة الشعب اليمني وتورط الحرس الثوري الإيراني في الحروب الأهلية العربية، وعن دماء السوريين التي تُراق يومياً بآلات الحرب الإيرانية ومرتزقة بشار الأسد في الزبداني وحمص وإدلب وسائر الجهات على طول المساحة السورية وعرضها؟«. لكن بدل أن يركن الحزب إلى لغة الأدب والتعقل والاستعاضة عن مراجعة مواقفه بدل الاستمرار في لغة الكذب، راح يتهدد ويتوعد وكأن هناك أمراً قد صدر من غرفه السوداء، للذهاب أبعد من مجرد الكلام ولغة رفع الأصابع.
يبرع الحزب في تبديل الأدوار المُسندة اليه وفي اللعب على مخارج الحلول لأزماته بقدر ما يُجيد قلب الحقائق وحرفها، ويبرع أكثر في تقمص شخصية الضحية وفي تنصله من واجباته وارتكاباته على حد سواء. يجد الأعذار لقتله الأطفال وإحراق مدن وقرى بأمها وأبيها. يحتل أراضي في دول شقيقة كما هو حال ربيبه الإيراني، فيخرج ليُعلن أنها ضمن سياسة الدفاع عن العتبات المقدسة وحماية الحدود، لكنه يقف عاجزاً اليوم عن الرد على تساؤلات وانتقادات حول التنسيق الميداني بينه وبين إسرائيل في سوريا والقائم برعاية دولية من بينها إيران.
مع بداية إظهار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، نتائج عملها الدؤوب طيلة سنوات إلى العلن وبعد اقترابها من إعلان وتحديد الجهة المتورطة بقضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، أعلنت استنادها إلى معلومات ومعطيات ارتكزت من خلال التحقيقات إلى الظروف السياسية التي كانت سبقت عملية الاغتيال بفترة وجيزة، إن في مرحلة التحريض ضد شخص الرئيس أو من خلال الحملات المنظمة التي قادها النظام الأمني السوري اللبناني يومها. واليوم لا بد من النظر إلى تهديدات «حزب الله» باتجاه فريق محدد، على أنها تُشبه المرحلة التي سبقت اغتيال الحريري قبل أن تصل إلى مرحلة الاغتيال الجسدي.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك