يعتمد المغنّي على جسده في الغناء والتعبير، لذا فعليه أن يقوم بتحضيرات لجسمه تساعده على الغناء بشكل أفضل. وبطبيعة الإنسان البشرية، يتعرّض الجسد لعوامل خارجية تقلّص من طاقة صوت الشخص "العادي" (أي البعيد عن أجواء الغناء) ومن هذه العوامل المرض، الحرارة، تغيّر المناخ، الضغط النفسي والعاطفي وغيرها. فكيف لو تعرّض المغّني لهذه العوامل المضرّة وغيرها ومن بينها وأبرزها تناول الكحول؟ التفاصيل في هذا الحوار الذي أجراه موقع mtv الإلكتروني مع مدرّب الصوت طوني البايع.
يؤكّد أستاذ الغناء ومدرّب الصوت طوني البايع، في حديث حصريّ لموقعنا أن "على المغنّي أن يتنبّه لكلّ هذه العوامل الخارجية والداخلية التي تؤثّر سلباً على جسده وبالتالي على صوته بشكل فوريّ. الصوت هو حال من حالات الجسد، لذا راحة جسد المغنّي تحتّم راحة صوته والعكس صحيح".
وأوضح البايع أنّ لتناول الكحول أثرين إيجابي وسلبيّ على الجسد بشكل عام، قائلاً: "من الممكن أن يشعر المغنّي بالارتخاء والارتياح النفسي بعد تناول الكحول، إلا أن الإكثار من شربه مضرّ جداً بالجسد وبالصوت، خصوصاً إذا كانت الجرعة المتناوَلة كبيرة".
وأضاف: "شرب الكحول لدى المغنين يؤثّر سلباً على الجهاز العصبي الذي يؤثّر بالتالي سلباً على عضلات الصوت ويسبّب في ارتخائها، الأمر الذي يجعل المغنّي غير قادر على الغناء بشكل سليم". وعمّا إذا كانت الكحول من المواد الغذائية أو من السموم، يقول البايع: "صحيح أن الكحول من السوائل ولكنها ليست من السوائل الغذائية كالماء والبروتين والكاربوهيدرات. الجسد يتعرّف على الكحول كمادة سامّة ويعمل على إزالتها فوراً من نظامه".
وتابع: "الكحول تصبح بمثابة سموم حين تبلغ مستوى المخدّرات من حيث التأثير على الجسم وذلك عندما تكون الجرعة كبيرة، فتصبح بمثابة مهدّئات وتسبّب ارتخاء الجسم. وللتخلّص من هذا السمّ (الكحول)، يزداد الشخص تبوّلاً وهو الأمر الذي يزيد الجفاف في الجسد ومن ثمّ الصوت. ومن الضروري أن يكون جسم المغنّي رطب ليغنّي بشكل سليم. من هنا الماء سائل أساس لأيّ مغنٍّ لترطيب أوتاره الصوتية، شرط ألا يكثر منه قبيل صعوده على المسرح".
ومن الآثار السلبية التي يفرضها شرب الكحول: تجفيف الفم والحلق والبلعوم والحبال الصوتية. الكحول تهيّج الأغشية المخاطية المبطِّنة الحنجرة وهي مادّة تساعد على الغناء وتُصرَف بشكل زائد وغير طبيعي بعد شرب المغنّي الكحول ما يؤدّي إلى تجفيف فمه وإعاقة أدائه الغنائي الجيّد ومرونة صوته.
كما أكّد البايع لموقعنا، أنّ لتناول الحكول آثار سلبية على الدورة الدموية والشرايين، وبالتالي على الحنجرة والأوتار الصوتية والفم.
كثيراً ما يرغب الفنانون في شرب الحكول قبل حفلاتهم الغنائية بحجّة أنّهم "بِيْسَلْطنوا" بعد تناولها ويقدّمون أداءً غنائياً أفضل ومليء بالـ "تسلطن"، فما صحّة هذا الأمر؟ وهل "التسلطن" بفعل الكحول هو حقيقة علمية أو حال نفسية ليس إلا؟
يوضح البايع: "هذه الفكرة خاطئة جداً. غالباً ما يرغب الفنان في شرب الكحول قبل الصعود إلى المسرح، نتيجة التوتّر والخوف ورهبة المسرح. تناول ولو حتّى جرعة بسيطة من الكحول لن تفيد المغنّي في أدائه الغنائي أو ما يُعرَف بالـ "تسلطن"، بل سيفقد قدرته على التحكّم بصوته. لا يتحقّق "التسلطن" في شرب الكحول بل هو حال يبلغها الفنان إذا كان صاحب إحساس مرهف ويتجنّب دائماً الابتعاد عن الضغوط النفسية والعاطفية قبل الغناء.
من هنا، يوضح البايع: "من الممكن أن يتناول المغني الكحول إن كان هذا الأمر يريحه نفسياً بشرط أن يشرب كمية قليلة جداً لكي لا يؤدي ذلك إلى ارتخاء جهازه العصبيّ وبالتالي ارتخاء عضلتَي الصوت الذي يعيق تحرّكها ويجعل إصدار الصوت صعباً ويؤثّر على ليونته، وخصوصاً أنه يعيق بلوغ الفنان النوتات العالية (الجواب) بسبب فقدان الضغط في النفس.
أمّا عمّا إذا كان شرب الكحول يبدّل خامة صوت الفنان ونوعيّته أو يشوّهها، يقول البايع: "لا يؤثّر تناول الكحول على خامة الصوت ولا يبدّلها ولا يشوّهها". ويضيف موضحاً: "حين يشرب المغنّي الشاي، على سبيل المثال، لا تتبدّل خامة صوته، وكذلك بالنسبة إلى الكحول التي، وبعد تناولها، يفقد المغني تركيزه ويتّجه أداؤه إلى الصراخ أكثر منه إلى الأداء الجيّد، ما يؤدّي إلى البحّة في اليوم التالي وفقدان المقدرة الصوتية".
وربّما ما لا تعرفه الغالبية من الناس أنّ الكحول تضرب الفيتامين B في الجسد وهو من العناصر الغذائية الأساس لوظيفة الجهاز العصبي والذي يشكّل المحرّك الأساس لعضلتَي الصوت. كما تخدّر الكحول الحلق وتقلّص من الوعي لدى المغنّي وخصوصاً في ما يتعلّق بتراجع وعيه بأسلوبه في الغناء والأداء نتيجة تأثّر العقل سلباً.
وربّما تساؤلات عدّة يجدر بكلّ مغنّي حريص على سيرته الفنية أن يطرحها: "هل تستحقّ سيرتي الفنية الغنائية أن أفسدها بكلّ هذه الآثار السلبية التي تخلّفها الكحول؟ هل يستحقّ ما أملكه من صوت أن أقتله بهذا السمّ؟".
على الفنان أن يكثر من شرب الماء وأكل الخضار وتناول عصير الفاكهة (بلا سكّر) لإعادة الأنسجة (ومنها الأغشية المخاطية المبطِّنة الحنجرة). وتناول الفيتامينات أمر أساس للتعويض عمّا فقده الصوت جرّاء شرب الكحول ولاستعادة راحته وجزء من عافيته، إضافةً إلى السكوت لوقت طويل وممارسة تمارين تحمية الصوت.
ولم يغفل مدرّب الصوت طوني البايع، أثناء حديثه لموقعنا، عن الكشف أنّ تناول الكحول بكميات كبيرة يسبّب أمراضاً في الفم وأوراماً خبيثة في الحنجرة كالسرطان. ولا بدّ من الإشارة إلى أن الأمراض والأورام في الحنجرة تنتشر أكثر عند شاربي الكحول والمدخّنين من الفنانين. إضافةً إلى أنّ معظم الفنانين الذين يتناولون الكحول بكميات كبيرة يعانون من مشكلة عصر الهضم (ما يُعرَف بالـ reflux)، ما يؤذي الأوتار الصوتية، إضافةً إلى مشكلتَي الزكام وألم الرأس الحادّ.
يشار إلى أن طوني البايع هو أستاذ في الموسيقى ومدرّب صوت. عمل في حقل التعليم والغناء ودراسة الصوت والأداء. مجازٌ في التربية الموسيقية وفي الغناء من المعهد الوطني العالي للموسيقى (الكونسرفتوار). تعاون مع فنانين عدّة منهم أصالة، نانسي عجرم، يارا، ميريام فارس، ناجي أسطا وكارلوس عازار. كما عمل مدرّباً للأصوات في برامج عربية عدّة للهواة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك