ما أغربَ كيف يُغْلَبُ الأذكياء على يد أعدائهم الأغبياء. ليس ما كُتِب بقاعدة معمّمة، إلا أنه واقع مقزّز بقدر ما هو غريب ومستفزّ. قال أحد المفكّرين يوماً: ما جادلتُ جاهلاً إلاّ وغلبني! ربّما ما من حقيقة جارحة وظالمة بقدر ما هي عليه هذه الحقيقة، حتّى ولو لم تكن عامّة ولا مطلقة...
لعلّكم تتساءلون عن مدى ارتباط ما قرأتموه في السطور السابقة بإدراج هذه المقالة في خانة "مقالات النجوم" و"سطور الفنّ". لم أجد فكرة ولا أسلوباً في الكلام أنسب منهما لأصف مدى مطابقة هذا الواقع لمواصفات آذان الغالبية الساحقة من المستمعين الذين يظنّون أنّ أحداً لا يُحْسِن الاستماع بأسلوب "عميق" إلى أغنيات الفنانين وأدائهم الغنائي مثلما يفعلون.
نوعان من المستمعين: المستمعون السطحيّون وأصحاب الآذان المصغية.يعتبر نجوم كثيرون أنّهم يقدّمون فنّاً جميلاً، كلاماً ولحناً وتوزيعاً موسيقيّاً وأداء غنائيّاً (ومنهم نجوم صفّ أوّل)، ما عادوا يحيون الحفلات الغنائيّة ويشاركون في المهرجانات الفنيّة هادفين إلى روي عطش محبّيهم فنّاً جميلاً، هؤلاء الناس الذين يتكبّدون ثمن "تذاكر محبّة" للاستماع إلى فنّانيهم المفضّلين.
بات عددٌ كبير من الفنانين يحيون حفلات ليقدّموا عرضاً غنائيّاً أحمقاً وأغبى ما يمكن أن "يهديه" فنان لمعجبيه. أصبح هؤلاء يغنّون في الحفلات مهووسين بالمغادرة وفي جيبهم "مبلغاً حرزان" غير آبهين بواجب احترام آذان الآتين إليهم من أجل الاستمتاع بهم. فقَدَ هؤلاء النجوم حضورهم على المسرح وما عادوا يؤدّون مثلما كانوا يفعلون. أمسوا مملّين بأمسياتهم.
أمّا الناس الحاضرون إلى أماكن حفلاتهم، فمعظمهم لا يزالوا يصفّقون للصورة القديمة للفنان والتي لم تخرج بعد من ذاكرتهم من دون أن يقيّموه على حاليّة أدائه في الحفلات. ثملون بأداء غنائيّ جميل ومطرب تخلّى عنه الفنان وبأغنيات لامعة مرّ عليها زمن طويل وبفرقة موسيقية شبه "مكتملة" لم تَعُدْ من أولويات الفنان.
ليت هذه السطور تكون شفت القليل من غليل المستمعين الأصيلين الذين يدركون ما يصغون إليه والذين يُغْلَبون عموماً من غالبية ساحقة، لن نقول إنها حمقاء في الإصغاء، بل ثملة، إنْ جادلوها غلبتهم وغلبت إصغاءهم النخبويّ حتّى إشعار آخر.
ربّما لا بدّ من ختام هذه السطور باستيحاء بعض من كلمات أغنية "روحي شوفي اللي حبّوكي" للموسيقار الراحل ملحم بركات لوصف علاقة هؤلاء الفنانين بجمهورهم والتي باءت بالفشل: "أخدوكم هنّي عالبحر وعطشانين لعندهم ردّوكم"...
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك