التحلّي بالأمل ضروريّ. فبعد أن كاد البعض يفقد الأمل في صناعة سينما لبنانية حقيقية، شهدت السينما اللبنانية حركة في إنتاج أكبر عدد من الأفلام في السنتين الماضيتين وإلى اليوم. ولكن لم يكن من المتوقّع أن تصبح صناعة السينما في لبنان أشبه بطفرة غير نوعية. من هنا، أجرى موقع mtv الإلكتروني حواراً مع الأستاذ الجامعي المتخصّص في مجال السينما إميل شاهين.
شهدت السينما اللبنانية منذ سنتين وإلى اليوم صناعة أكبر عدد من الأفلام. هل تُعتبَر صناعة الأفلام اللبنانية بهذا العدد الكبير، نسبةً إلى لبنان، صحيّة؟
الكثافة في صناعة الأفلام السينمائية اللبنانية لم تأتِ من عدم. حين أصبح التصوير يتمّ بأسلوب الـ Digital، باتت صناعة الأفلام أسهل بكثير من السابق. بينما عندما كانت عملية التصوير تنفَّذ بالتقنيات القديمة كان الأمر صعباً. كما أن تأسيس معاهد تدريس الإخراج في لبنان منذ نحو ثلاثين عاماً سهّل العمل في مجال السينما. ونلاحظ أن ثمّة أفلام ينقسم المشاهدون إزاءها: النقاد يطالبون، من جهة، بسينما فنيّة ويقارنونها بالسينما العالمية، ويتّهمون، من جهة أخرى، أفلاماً لبنانية بأنها أقرب إلى العمل التلفزيوني الذي يعرض في السينما بما يشبه الـ Téléfilm والتي يلعب دور البطولة فيها نجوم محبوبون من الناس. وهذه النوعية التي يرفضها النقاد هي التي تحقّق نسبة إيرادات عالية على شباك التذاكر. أمّا في ما يتعلّق بكون هذه الحركة السينمائية صحية أم لا، نقول إنّ ثمّة أفلام تتمتّع بالمستوى الفنيّ المطلوب واستطاعت أن تكون جماهيرية مثل West Beirut للمخرج زياد الدويري، وأفلام المخرجة نادين لبكي وفيلم "غدي" لجورج خباز، على سبيل المثال والتي حين تصل إلى الخارج تلاقي استحساناً وتقيَّم على أنها أفلام جيدة وتشارك في مهرجانات عالمية.
ما الذي يدفع المشاهدين إلى رفض هذا النوع من الأفلام؟
يسمّى هذا النوع من الأفلام "سينما المؤلّف" التي ينجزها مَن هو ذو فكر، فيصنع فيلماً من إحساسه الشخصي. وغالباً ما يرى الجمهور أن هذه الأفلام صعبة الفهم ولا تناسبه. ويبقى بعض المتذوّقين الذين يقدّرونها، رغم أن بعض الأفلام تصبح صعبة الفهم حتّى بالنسبة إلى الذوّاقين. ولكن بشكل عام، كثافة الأفلام اللبنانية، راهناً، ليست صحّية كثيراً. فبين كل ما يعرض حالياً من أفلام لبنانية، أرى أنّ فيلم "اسمعي" (Listen) لفيليب عرقتنجي هو الذي يرضيني. هو عمل ذو مستوى فني بدءاً من السيناريو، مروراً بالتمثيل والإخراج والتصوير ووصولاً إلى الصوت المتقن. ونلاحظ أن الأعمال السينمائية ذات التكاليف المادية الأقلّ والقيمة الأقلّ تُصنَع لإرضاء جمهور عريض وهي التي تحقق نجاحاً كبيراً. لسنا بوضع صحيّ، لأن الفيلم الجيّد لم يستطع أن يجد إلى اليوم نسبة مشاهدة كافية.
ما هي الأفلام اللبنانية التي تستحقّ بجدارة أن ننسب لها صفة سينمائية؟
الأقلية من الأفلام. وعلى سبيل المثال فيلم "رصاصة طايشة" المميز لجورج الهاشم والذي يصنع حالياً فيلماً جديداً، لكنه سيواجه صعوبة على شباك التذاكر كونه عمل فنيّ وعميق وأصعب من أن يتقبله الجمهور العريض. كما أننا موعودون بأفلام سينمائية جديدة لنادين لبكي وزياد الدويري تملك مستوى فنّياً والتي أعتبر أنها تستحقّ أن تنسب لها صفة سينمائية.
هل من ثغرة في السينما اللبنانية حين يُصنَع الفيلم التجاري؟
لستُ ضدّ الفيلم التجاري، لأنّ ما من مجال خالٍ من المواد التجارية التي تُنتَج بهدف الترفيه والتسلية، وهذا حقّ للقائمين على العمل في حال كان يحقّق نجاحاً. أمّا الأفلام التي تستحقّ أن تمنح فرصة المشاركة في مهرجانات عالمية وأن تنال إعجاب النقاد العالميين، أصبحت قليلة جداً ولا تتعدّى أصابع اليدين، علماً أنه لدينا مخرجين محترفين وقادرين على صناعة أعمال كهذه والذين لم يقصّروا بحقّ السينما اللبنانية الحقيقية أمثال فيليب عرقتنجي ونادين لبكي وزياد الدويري وجورج الهاشم وأمين درّة وميرجان بو شعيا وغيرهم.
هل يهرب المشاهد اللبناني، عموماً، من المادة الفكرية الجوهرية؟
تكمن المشكلة هنا في أن المتذوّقين يشاهدون أحياناً أفلاماً لا ترضيهم فيحكمون على السينما اللبنانية بالإعدام. أمّا الجمهور العريض فاعتاد على بعض النجوم الذين أحبّهم في الأعمال التلفزيونية. ونذكر هنا، على سبيل المثال، تجربة فيلم "غنّوجة بيّا" (ولستُ ضدّ هذه التجربة) الذي جذب الجمهور على خلفية المسلسل الذي حمل اسمه ووجّه الحلقة الأخيرة منه باتّجاه السينما، محقّقاً إيرادات عالية جداً نظراً إلى أن هذا ما يحبّه الناس ومعتادين عليه ويطلبونه. هذه التجربة لا تقدّم صورة عن السينما الجيدة.
ما هو آخر فيلم لبناني شاهدته ورأيت أنه فيلم سينما بجدارة؟
فيلم "اسمعي" (Listen) لفيليب عرقتنجي. لن أقول إنه أفضل فيلم في المطلق، غير أنه من الأفلام الجيدة. المخرج عرقتنجي ينوّع في أعماله ويعرف كيف عليه أن يعطي لكل فيلم حقّه. وأرى أن "اسمعي" يتضمّن معطيات جيدة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك