"اللي بيشوف المصيبة عن بعيد مش متل اللي بيكون فيها". لطالما كان هذا المثل الشعبي منتشراً ومتداولاً في الأحاديث التي يتبادلها الناس والمتحاورون، خصوصاً في الأوقات التي يواجه فيها المرء المشكلات والمصائب التي لا مفرّ منها ولا بدّ من معايشتها.
إستهلّينا سطور المقال بهذا المثل علّه يكون رسالة لجميع الذين يطلقون أحكاماً مسبقة على الفنّانين، مغنين وممثلين، والمخرجين، وأهل الإعلام والشخصيات المعروفة بشكل عام، ولجميع الذين ينتظرون الوجوه والأسماء الشهيرة على "أقلّ غلطة" وعلى أخطاء تشكّل الإضاءة عليها أحياناً تفاهة أو تكون في غير مكانها من دون أن يكونوا على علم بالظروف التي يعيشونها.
يجهل بعض الناس أنّ طبيعة المغنّي أو الممثل أو الإعلامي أو المخرج أو صاحب أيّ وجه معروف ليست إلا طبيعة بشرية قابلة للوقوع في الأخطاء على أنواعها. وينسَوْن، أو ربّما يتناسون، أنه مهما علا شأن هؤلاء فإنهم سيمرّون في كل حين وآخر بظروف خاصة تؤثّر سلباً على حالاتهم النفسية والجسدية، بحيث أنهم لن يستطيعوا الهروب من الـ "زحطات" سواء كانت تُعنى بحياتهم الشخصية أو بمسيرتهم الفنية والمهنية.
إلا أن ثمّة نقطة بيضاء يجب أن تسجَّل في سجلات مَن يتعاطون الشأن الفني بشكل عامّ. فأثبت بعض المغنين والممثلين والمخرجين والإعلاميين أنهم يكنّون كامل الاحترام لمهنهم وأعمالهم. فكم منهم يحيي حفلة غنائية أو يظهر في لقاء تلفزيوني بامتنان ومن دون تذمّر أو يلتزم بمواعيد تصوير مشاهده التمثيلية أو يحضر إلى الإستديو رافضاً إلغاء العمل أو إرجاءه احتراماً للمجهود الذي بذله فريق العمل الذي يتعاون معه وللناس؟
يُجبِر الفنانون أنفسهم أحياناً على اعتلاء المسارح والغناء تزامناً مع عيشهم حالاً من فقدان أحد أفراد عائلاتهم أو أحد المقربين إليهم أو أصدقائهم، أو تدهور صحّة أحد أولادهم، أو حتى إنْ كانوا أنفسهم يواجهون مشكلة جسدية ما أو يعانون بسبب ألم ٍ ما، احتراماً ومحبة وتقديراً لجمهورهم واحترافاً منهم. والجدير بالذكر أن الموسيقار الراحل ملحم بركات شكّل خير دليل على هذا النوع الراقي من الفنانين.
يبقى أنّ مرصدنا يجب أن يظلّ متأهّباً أمام ما يقدّمه المغنون والممثلون والمخرجون من أعمال مهنية في سبيل النقد العقلانيّ. غير أن تطعيم أحكامنا، من وقت إلى آخر، بأقلّ قدر ممكن من الإنسانية لا بدّ منه...
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك