لم يترك "الممانعون"، في خلال الفترة الفاصلة بين عملية القنيطرة الاسرائيلية ورد "حزب الله" عليها في مزارع شبعا، رمزا عسكريا الا استخدموه: "تبديل أسس اللعبة"، "تغيير قواعد الاشتباك"، "اعادة تكريس المعادلة، "تثبيت ركائز الردع"، و"الردع المتبادل" الخ...الى أن أعلن الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله قبل يومين أنه، بعد عملية القنيطرة هذه والرد عليها، لم يعد يحترم "قواعد الاشتباك" السابقة كلها.
لكن أية "قواعد"، ومن هي الجهة(أو الجهات؟!) التي وضعتها، ولماذا جرى احترامها في الفترة السابقة بدعوى أن ما شهدته منطقة مزارع شبعا في خلالها كان مجرد "عمليات تذكيرية"، وبالتالي فانه لم يعد ممكنا احترامها الآن؟.
غني عن القول ان عملية القنيطرة ضد "حزب الله"(وايران أولاً وأخيراً) لم تكن لتتم لولا أن قوات الحزب دخلت تلك المنطقة، فضلاً عن انها تقاتل منذ أكثر من عامين في كل مكان من الأراضي السورية. وما دام العدوان الاسرائيلي جرى في تلك المنطقة، فلماذا يكون الرد عليه من لبنان.. ثم يأتي بعده حديث نصرالله عن "قواعد الاشتباك" التي لن يأخذها من الآن فصاعداً بعين الاعتبار؟.
أكثر من ذلك، لماذا يتم بعد هذه العملية بالذات اعلان سقوط تعدد الجبهات ضد العدو الاسرائيلي، كما ذكر نصرالله، والقول انها باتت جبهة واحدة من الجولان الى جنوب لبنان الى القدس وكل مكان يكون فيه للعدو الاسرائيلي تواجد أو مصالح؟.
...ولم يترك منظّرو "الممانعة" كما اعلامها، في خلال تلك الفترة، شعارا استراتيجيا واحدا الا رفعوه: "ستزلزل الأرض تحت اسرائيل"، "لم تعد منطقة الجليل خارج المعادلة"، "لن تجد طائرات العدو اذا خرجت من أوكارها مدرجاً في مطار تعود اليه"، "خطيئة اسرائيل انها ارتكبت عدوان القنيطرة"، و"ساعة زوال هذه الدولة قد أزفت" الخ...لكن المسؤولين الايرانيين كانوا قد سبقوا نصرالله بالقول ان الرد سيكون من لبنان، في الوقت الذي كان فيه النظام السوري يتجاهل العملية كلها ويضعها في سياق الاعتداءات المتكررة على بلاده منذ العام 1967، وأنها تؤكد مرة أخرى عدوانية هذه الدولة...ونقطة على السطر لا أقل ولا أكثر.
ومجدداً السؤال نفسه: لماذا يعلن ذلك الآن بالذات، ومن لبنان تحديدا؟. بل لماذا لم يقل شيء منه، أو مما يشبهه على الأقل، عقب اغتيال القائد العسكري لـ"حزب الله" عماد مغنية قبل سبعة أعوام في دمشق؟. هل لتواجد العميد الايراني في القافلة المستهدفة علاقة بهذه النقطة، أم أن لوضع النظام السوري عشية مرور أربع سنوات كاملة على الثورة ضده وعجزه مع حلفائه(ايران و"حزب الله" وأتباعهما من العراق واليمن وأفغانستان) عن انهائها مثل هذه العلاقة؟.
يقول السيد حسن ان "حزب الله" سيد نفسه، وأن قراره الرد على عدوان القنيطرة ذاتي ولا علاقة له بملف ايران النووي ولا بالوضع في سوريا ولا بأي شيء آخر. حسناً، لماذا الآن اذاً ترفع مثل هذه الشعارات الاستراتيجية، ولماذا من لبنان بالذات...وحتى من لبنان وحده من بين فرقاء "محور المقاومة والممانعة"، اذا ما نحينا جانباً التهديد الايراني بأن الرد سيكون لبنانياً فقط؟.
...ولم يترك اعلاميو "الممانعة"، لاسيما في لبنان، لافتة سياسية الا نبشوها من الأرشيف وأعادوا صياغتها: "مزارع شبعا أرض لبنانية محتلة"(أين الاعتراف السوري بذلك؟)، "رد الحزب لا ينتهك القرار 1701"، القانون الدولي يقر بحق الشعوب في مقاومة الاحتلال"، "اسرائيل هي التي تنتهك القرار 1701 بشكل يومي"، وأخيرا "أن عين بنيامين نتنياهو على انتخاباته المقبلة أكثر من أي شيء آخر" الخ...
لكن أليس الجولان، الذي نفذت فيه العملية الاسرائيلية، أرضاً محتلة بدوره؟، أم أن هوية القنيطرة السورية في حاجة الى اثبات كما هي حال مزارع شبعا؟، أم أن التزام سوريا بالقرارين 242 و336 يجب أن يصان بينما التزام لبنان(عمليا، "حزب الله") بالقرار 1701 يمكن أن يعاد النظر فيه في أي ساعة تريد سياسات ايران أن تفعل ذلك؟.
واقع الحال أن ما قاله السيد حسن صراحة من أن الحزب، بتنفيذه الرد على عملية القنيطرة في مزارع شبعا، كان مستعداً وجاهزاً لكل ما يمكن أن يحدث بعده، انما يثير أكثر من سؤال وعلامة استفهام، ليس فقط حول المرحلة الراهنة التي لم تصل الى ما "بعده" هذا، انما أساساً وقبل ذلك كله حول المستقبل.
ثم هل اللبنانيون أنفسهم مستعدون، أو حتى جاهزون عملياً، لما تحدث عنه السيد حسن؟.
في أي حال، لا يختلف اثنان من اللبنانيين في أن ما يشهده بلدهم في المرحلة الراهنة(داخلياً وخارجياً على السواء) قد يعني هذه القوة أو تلك من قوى المنطقة، الا أنه لا يعنيهم عملياً الا بقدر ما ينالهم من تبعات وعواقب هذا المشهد.
ذلك أنه بين عمليتي القنيطرة ومزارع شبعا في خلال الأيام العشرة الماضية، لا أحد يهتم بلبنان واللبنانيين ولا حتى يفكر فيهم.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك