تخيّم السكينة على معراب في نهاية الأسبوع، خصوصاً إذا كان بارداً. وحدها الأوراق اليابسة المتساقطة من الأشجار تحتلّ الطرقات وترسم درباً يوصلك الى المقرّ العام لحزب القوات اللبنانيّة.
يستقبلك رئيس حزب "القوات" سمير جعجع بتوجيه الأسئلة، قبل أن يترك لك أن تمارس مهامك فتختار "المبادرة" الرئاسيّة، التي أطلقها العماد ميشال عون، كنقطة انطلاق لمقابلة مع موقع الـ mtv استمرّت قرابة الساعة، ونختصرها بهذه السطور...
يصف سمير جعجع مبادرة عون بـ "الممتازة" من حيث المبدأ. أما عن شرط عون بعدم وجود مرشحين آخرين كضمانة، فيقول جعجع: "إذا سلّمنا جدلاً بوجود مرشح آخر غيرنا، فإنّه لن ينال سوى بضعة أصواتٍ في الدورة الأولى، وربما أقلّ في الدورة الثانية، لينسحب لاحقاً تاركاً المنافسة بيني وبين "الجنرال". لا وجود لضمانة في السياسة، وما يشترط عون حدوثه على رؤساء الكتل سيحصل حتماً إن وافق على النزول الى المجلس".
ويرفض "الحكيم" مقولة إنّ "الجنرال" يرمي الكرة في ملعب النائب وليد جنبلاط، لكي يصبح الأخير، عبر ترشيحه للنائب هنري حلو، هو المعطّل. ويضيف: "الترشّح حقّ، إلا أنّ الجميع يعرف أنّني وعون الأقوى في فريقَينا، وإذا لجأنا الى الخيار الديمقراطي ستكون احتمالات الفوز محصورة بيننا. لذا، ما على العماد عون إلا اللجوء الى هذا الخيار".
لا يستبعد جعجع خيار الوصول الى مرشّح تسوية. حين نعدّد له أسماء المرشحين الذين يتمّ التداول بهم في الإعلام، يعلّق: "من يقول إنّ الاختيار محصور بين هذه الأسماء. هناك مرشحين آخرين أيضاً"، إلا أنّه يرفض التسمية "ما دمنا لم نصل الى تلك المرحلة بعد".
وحين نسأله عن دعم فريق 14 آذار لترشيح الرئيس أمين الجميّل، يجيب: "فريق 14 آذار رشّحني وأجمعت مكوّناته على ذلك، ومن بين الداعمين الرئيس الجميّل وأقدّره على ذلك، أما في حال تمكّن من الحصول على تأييد أحد مكوّنات فريق 8 آذار فسأتنازل له وأدعمه لأنّ حظوظه ستكون أوفر حينها".
ويقول رئيس حزب "القوات"، ردّاً على سؤال: "أنا على استعداد لأزور الرابية وألتقي بالعماد عون إذا كان سينتج عن هذا اللقاء التوصل الى اتفاق ينهي الشغور في رئاسة الجموريّة، أما إذا كانت الزيارة استعراضيّة فقط فلن أقوم بها". ثمّ يضيف، بعد صمت ثوانٍ: "وأبواب معراب مفتوحة أيضاً للعماد عون إذا أراد زيارتها".
ويكشف جعجع لموقع الـ mtv عن وجود قنوات تواصل دائمة بين "القوات" والتيّار الوطني الحر، إلا أنّها لم تعطِ نتائج عمليّة. وحين تبادر الى طرح سؤالٍ جديد، يقاطعك مبتسماً: "إذا بدّك العلاقة جعجعة من دون طحين".
نحن والكتائب
أما العلاقة مع حزب الكتائب فيبدو جعجع دقيقاً في اختيار كلماته لوصفها. يقول: "نحن متحالفان في الخطوط العريضة، ولكن هناك صراع بيننا على السلطة وهذا أمرٌ طبيعي". وحين نسأله عن الأحجام، يشير الى أنّ "مراكز استطلاعات الرأي تتوحّد كلّها على منحنا الصدارة بفارقٍ شاسع عن بقيّة الفرقاء المسيحيّين في فريق 14 آذار، وإن كان هناك من يقول إنّ هذه الدراسات "بلا طعمة" فإنّ الواقع على الأرض يؤكد صحة تفوّقنا، خصوصاً إذا ما نظرنا الى الانتخابات الطالبيّة، حيث السيطرة القوّاتيّة واضحة في الجامعات التي يطغى عليها الحضور المسيحي".
يؤكد جعجع أنّ تواجده مع النائب سامي الجميّل في الوقت نفسه في المملكة العربيّة السعوديّة كان مجرّد مصادفة، "ولم أعرف بوجوده مسبقاً، والتقى كلّ منّا مسؤولين مختلفين". أما عن الربط بين زيارته وموقف "القوات" من التمديد، فيقول: "لم يطرح موضوع التمديد أبداً أثناء لقاءاتي بالمسؤولين السعوديّين، واتخذنا موقفنا بناءً على قناعة وبعد التواصل والتشاور مع حلفائنا، وخصوصاً الرئيس سعد الحريري، كما بعد التنسيق لاحقاً مع الرئيس نبيه بري".
بري يعد ويفي أما الحزب...
تؤدّي بنا الإجابة الى السؤال عن العلاقة مع الرئيس بري. ألا يبدو أنّ العلاقة بين بري وبينكم وثيقة أكثر من تلك التي تربط رئيس المجلس بالعماد عون؟
يجيب جعجع: "مشكلة الرئيس بري هي في تحالفاته. لقد اختبرنا العلاقة معه في أكثر من محطة، فكان دائماً منفتحاً على النقاش ويلتزم بما يعد به، ولم نواجه معه مشكلة يوماً، على الرغم من اختلافنا في السياسة، وهو ما نفتقده للأسف في العلاقة مع العماد عون الذي نشعر دوماً بأنّه "بدّو يقصف علينا"، وهو حتى حين قدّم مبادرته الأخيرة كان متحدّياً أكثر ممّا كان يطرح حلاً".
وردّاً على سؤال عمّا إذا كان الرئيس بري يؤمّن قنوات تواصل مع حزب الله، شبيهة بتلك التي يؤمّنها بين "المستقبل" و"الحزب"، يؤكد جعجع على أنّ لا تواصل مع حزب الله "لأنّ مشاريعنا السياسيّة مختلفة تماماً ونحن على ثقة تامّة بأنّ هذا البلد لن يرتاح ولن تستعيد مؤسّساته عافيتها إذا كان هناك حزب لبناني يملك السلاح".
ولكن، ألا يجدر بكم أن تطمئنوا حزب الله ليسلّم سلاحه؟ يجيب رئيس حزب القوات اللبنانيّة: "ما من أحدٍ يحتاج الى طمأنة من دولته. على الحزب أن يسلّم سلاحه وأن يواصل عمله كحزبٍ سياسي له معتقداته التي من حقّه أن يدافع عنها حتى النهاية".
نعلّق: "إذاً لا جعجعة ولا طحين بينكن وبين حزب الله". يوافق جعجع ويبتسم.
"طحين" المردة!
أما عن العلاقة مع رئيس تيّار المردة النائب سليمان فرنجيّة، فيشير جعجع الى أنّها قطعت أشواطاً متقدّمة وأوصل التواصل المستمر الى نتائج ملموسة، خصوصاً أنّ العلاقة كانت مقطوعة بشكلٍ نهائي بيننا لا بل أنّ التوتر كان يسودها، أما اليوم فنلاحظ الهدوء التام في المناطق التي نتواجد فيها معاً، وكلٌّ منّا يحترم وجود الآخر".
وعمّا إذا كان الحزبان نسّقا أمنيّاً في المرحلة الأخيرة، يقول: "حين ارتفعت تهديدات باستهداف بعض المناطق خارج طرابلس من قبل بعض المتشدّدين، أجرينا تنسيقاً أمنيّاً مع "المردة" وكنّا على استعداد للوقوف الى جانبهم في حال حصل أيّ استهداف لهم لا سمح الله".
الجعجعة إذاً، مع "المردة"، تنتج طحيناً...
وفي الحديث عن ظاهرة التسلّح التي شهدتها قرى القاع ورأس بعلبك والفاكهة، رأى جعجع أنّ "القوّاتيّين" لم يتسلّموا سلاحاً من حزب الله، والذين قبلوا بالسلاح في هذه القرى كانوا قلّة ولم يتجاوزوا العشرات، وقد انحسرت هذه الظاهرة تماماً، لا بل أنّ بعض الذين تسلّموا السلاح أعادوه الى مصدره أو قاموا ببيعه.
مع بكركي... بين السطور
يبدو واضحاً أنّ جعجع يتجنّب توجيه الانتقاد المباشر الى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي. ولكن، تكفي هنا القراءة بين السطور. يقول، تعليقاً على ما صدر من مواقف على لسان الراعي أثناء زيارته الأخيرة الى أوستراليا وبعدها: "نفضّل ألا تدخل بكركي في تفاصيل الحياة السياسيّة، كأن تعطي رأيها مثلاً في مسألة التمديد للمجلس النيابي أو في مسائل أخرى مشابهة، بل من الأفضل أن تبقى فوق هذه الأمور وتعطي توجيهات وطنيّة".
ونسأل: "هل البطريرك الراعي أدخل بكركي في زواريب السياسة؟"، فيجيب جعجع: "لا أريد الخوض في ذلك، ولكن لا نريد بكركي أن تكون طرفاً بل عنصر توحيد".
ونضيف: "تأتي من خلفيّة ثائرة، وأنت ابن بشري جبران خليل جبران الذي كان ثائراً على بعض الاكليروس. ألا تجد أنّ الكنيسة مقصّرة في أداء دورها الاجتماعي والتربوي والاستشفائي، بل أنّ انتقادات تلاحقها وتتصل بالحياة الرغيدة التي يعيشها بعض رجال الدين وبـ "فضائح" نسمعها بين حينٍ وآخر على هذا الصعيد؟".
فيقول جعجع: "ربما هناك بعض التقصير، ولكن لا يجوز أن نستهدف الكنيسة بشكلٍ عام لأنّها ليست حجراً بل هي جماعة المؤمنين، ومن يريد الإصلاح الفعلي عليه ألا يرمي الكنيسة بالحجارة بل أن يصلحها من الداخل، خصوصاً أنّها تملك مساهماتٍ كبيرة عبر رهبان وراهبات ومؤسّسات عدّة تربويّة واستشفائيّة ورعائيّة... تشكّل تعويضاً عن التقصير الرسمي في أكثر من مجال".
ما لا تعرفونه عن جعجع
ننتهي من الحوار السياسي مع رئيس حزب القوات اللبنانيّة سمير جعجع. إلا أنّ اللقاء لا ينتهي.
نسأله: هل قلت يوماً "شو كان بدّي بهالشغلة؟" وفضّلت لو كنت رجلاً عادياً متزوّجاً ولديه أولاد؟
أجاب: "أبداً".
ألم تروادك هذه الفكرة في السجن؟
أجاب: "على العكس، ففي السجن كنتُ في أكثر المراحل تشبّثاً بمبادئي وخياراتي. لا أتخيّل نفسي أبداً أنّني أكملت سنتي الدراسيّة الأخيرة وأصبحت طبيباً يذهب الى عيادته صباحاً ويعود مساءً الى منزله ليجلس فيه أو يخرج مع زوجته الى العشاء، كبقيّة الأشخاص. مثل هذه الحياة لم تستهوني أبداً، وأنا مقتنع تماماً بما أنا عليه وبما أقوم به".
وبما أنّنا في "الويك أند"، فلا بدّ أن نسأل "الحكيم" كيف يمضي نهاية الأسبوع وأوقات الفراغ من السياسة، على قلّتها.
يقول جعجع إنّ هوايته الأولى هي القراءة. يقرأ بِنهم ويعوّض بها عن مصادر الثقافة الأخرى التي يحرمه منها عجزه عن الخروج من مقرّ إقامته لدواعٍ أمنيّة. كما يتابع التلفزيون، ويتوقف عند وثائقي تابعه أخيراً باهتمام عن حرب تشرين.
وحين نسأل: "هل تتابع البرامج الفنيّة والترفيهيّة؟"، نكتشف في سمير جعجع وجهاً نجهله جميعاً. فهو على اطلاع وثيق على الإصدارات الفنيّة كافة. يسمّي الفنّانين وأغنياتهم وأسماء الشعراء والملحنين. يعطي رأيه ببعض مخرجي الفيديو كليب. يبدي إعجابه ببعض المخرجين والملحنين مسمّياً إيّاهم بالاسم. ينصح كارول سماحة بالتعامل مع مخرج لبناني بدل المخرج الفرنسي "لإضافة اللمسة اللبنانيّة على أعمالها". يسمّي بعض الإصدارات الحديثة لفنّانين لبنانيّين وعرب، ويشيد بموهبة فنّان لبناني شاب "من الجبل"، معتبراً أنّ إحدى أغنياته رائعة...
نسأله: هل تتابع الفنّانات بعين الرجل، أي هل تجذبك مثلاً هيفاء وهبي أو مايا دياب؟ ويجيب: "لا مانع أن تكون الفنّانة جميلة ومثيرة إذا كان صوتها جميلاً، أما الفنّانات الجميلات اللواتي يفتقدن للصوت والأداء الحسنَين فلا يحظين باهتمامي".
ينتهي اختصار الحوار الطويل مع سمير جعجع. تبدو رؤية الرجل واضحة حول مختلف المسائل السياسيّة، على عكس ما كانت عليه طريق العودة من معراب الغارقة، مناخيّاً، بالضباب...
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك