تساؤلات كبيرة وعلامات استفهام كثيرة تطرح في ما يتعلق بـ"ظاهرة" الانشقاقات في صفوف الجيش اللبناني، التي لا تزال وفق تأكيدات المؤسسة العسكرية، لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، حتى رفضت القيادة وصفها بالانشقاق وانما بعملية فرار فردية.
وفي هذا الإطار، اعتبر رئيس هيئة السكينة الإسلامية أحمد الأيوبي أنه من حيث الشكل لا يمكن اعتبارها انشقاقا مكتمل العناصر، فكما يقول الخبراء العسكريون إن الانشقاق يكون لمجموعات أو فرق أو ألوية، ولا يكون لأفراد لكن المصطلح المستعمل والناتج عن نقل المصطلحات السورية، اذا صح التعبير، أن كل شخص يخرج من الجيش ويلتحق بطرف مضاد له يصبح انشقاقا.
والمشكلة اليوم، يضيف الايوبي، أن الخطاب الذي يستند إليه من يدعون إلى الإنشقاق، ومن يحرضون عليه، بات شبيها بخطاب وزير الداخلية نهاد المشنوق، في الاحتجاج على خطورة خضوع الجيش لضغط "حزب الله" في سلوكه الأمني الاستنسابي. يعني ما قاله المشنوق هو وجه من وجوه الألم والوجع الذي يعانيه داخل الجيش وأكثر منهم خارجه.
فالاعتقالات والاستهدافات لا تتم إلا في مناطق محددة، في حين فشلت الخطة الأمنية على ابواب الضاحية والمناطق البقاعية التي يسيطر عليها حزب الله، وبالتالي إذا أردنا أن نغوص أعمق في المسألة يكون السؤال اي جيش في لبنان اليوم؟ هل هو الجيش الوطني الجامع الذي يحظى بإجماع كل اللبنانيين، والذين يرغبون في الاحتماء بقوته وبسلطته التي تستمد شرعيتها من المؤسسات؟ أم هو الجيش الذي تئن منه مؤسسات الدولة ويشتكي من آدائه وزير الداخلية؟
هذا هو أحد أوجه الاشكالية.
الإشكالية الأخرى، بحسب الايوبي، هي أن الخطاب الذي يستهدف الجيش من قبل جماعات جهادية، مثل كتائب عبد الله عزام، بدأ يطلق مجموعة من المعطيات التي اذا صحت فهي كارثية.
ومنها، ما قاله عبد الرزاق زريقات، عن ان الخوف من انشقاق عسكريين لعلاقتهم بالمجاهدين دفع المؤسسة العسكرية الى طرد زهاء 200.
وهذه الأمثلة إذا صحت فنحن أمام معضلة كبيرة وأمام كارثة والمطلوب اليوم من قيادة الجيش أن تتعاطى بشفافية كبيرة في هذا الموضوع لا ان تلجأ إلى سياسة النعامة ودفن الرأس في الرمال.
وأكد الأيوبي التمسك بشرعية المؤسسة العسكرية والحفاظ على الجيش، وتابع: "لا يمكن للجيش أن يحفظ نفسه إذا أراد الوقوع في هذه الاشكالية الكبيرة واذا أراد الامتناع عن الشفافية المطلوبة في هذا المناخ".
أما عن التأثيرات التي من الممكن أن تخلفها هذه الإنشقاقات، فيقول الأيوبي، إن باستطاعة قيادة الجيش أن تعتبر هؤلاء العسكريين فارين أو معتوهين أو مجانين أو مسحورين لكن هذا لا يغير في الواقع شيئا، انهم جميعا "من الطائفة السنية"، ولما لذلك من دلالات من شأنها ان تعزز المخاوف.
فما نحتاجه اليوم في حقيقة الأمر ليس المزايدات السياسية على الجيش وليس أيضا تجاوز قيادة الجيش في هذه الاشكالية.
ويكشف الأيوبي أنه دعا سابقا القيادة إلى تنظيم ورشة عمل خاصة لإعادة النظر في مقاربة الملف الإسلامي، واعادة فهمه وترتيب الموقف خلاله، لأنه من المهم جدا أن نفهم ما يحصل في محيطنا وكيف يفكر من يريد استهداف الجيش وكيف نعطل استهداف الجيش أيضا من خلال استهداف الطائفة السنية. وطبعا هناك خطوات أساسية يجب العمل عليها وأبرزها واهمها أن تكون هناك معالجة سريعة لإشكالية محددة، خصوصا في الشمال، حيث سلوك استخبارات الجيش تحديدا أصبح لا يطاق ولم يعد ممكنا تجاهل نتائجه السلبية.
ويستطرد الأيوبي بالقول :" كان مقررا بموجب الخطة الأمنية التي تم تعطيلها في طرابلس أن يكون هناك تغيير لكل القيادات العسكرية في طرابلس ولكن ما حصل أن التغيير شمل شعبة المعلومات وتوقف عند بقية الأجهزة التي يدور حولها خلاف وإشكال".
والمسألة الثانية هي أن الغاء غرفة العمليات المشتركة التي بنيت على اساسها الخطة الأمنية وكانت الغاية منها التوفيق لقضية الاعتقالات وكيف يتم احداث التوازن في المعلومات بشأن الاشخاص المشتبه بهم، وبالتالي ترك الساحة مفتوحة لتجاوزت كبيرة تطال حقوق الانسان والمواطنين.
ولفت الأيوبي إلى أن أهم النقاط هو تحديد الموقف من الملف السوري، وان لا يقحم الجيش نفسه في هذا الصراع.
فمثلا كيف يمكن للجيش أن يساند حزب الله في معركته في جرود بريتال ضد جبهة النصرة ويعجز عن تطبيق خطة أمنية تستهدف مافيات السيارات والمخدرات والسرقة.
واضاف:" الجيش عليه أن يعيد تعريفه لهذه المسألة فإما أن يحيد نفسه ويمتنع عن ملاحقة الناشطين من كلا الطرفين، وإما أن يحدد أن هذا هو الموقف وعلى حزب الله عدم الدخول والخروج من سوريا".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك