حين يوضع أصحاب الخطط على المحكّ، يقال لهم إنّ أفكارهم تحتاج إلى قدمين على الأرض. هذا الأمر ينطبق على العقول التي تدير عمليات "التحالف الدولي" في سوريا، خصوصاً وهم يسمعون أنه لا يمكن هزيمة "داعش"، أي تحقيق هدف"التحالف"، من دون "قوات على الأرض".
واشنطن وشركاؤها يرددون أن ما بين أيديهم لم يعد خططاً، بل إستراتيجية شاملة بدأت تعمل. مع ذلك، لم تظهر حتى الآن "الأقدام" التي ستسير عليها هذه الإستراتيجية: إلى متى يمكن الاستمرار في القصف من الجو؟
لم يُعرف من أين سيجلب "التحالف" "قوات على الأرض" لتحقق أهداف الضربات في سوريا. قال مسؤولون أميركيون إنّ واشنطن لن ترسل قوات، تاركين المجال مفتوحاً لخيارات محدودة. هناك الدول العربية المشاركة في "التحالف"، إلى جانب تركيا التي تتأهب للانضمام إليهم، إضافة إلى خيار ثالث يحتاج تسويات كبرى.
وتشير "السفير" الى أنّه، وفق سيرها الحالي، تبدو عمليّات "التحالف" فوق سوريا مجرد مناوشات مع "داعش".
من بين من أكدوا على هذه القضية أندرس فوغ راسموسن، الذي صار، منذ الأمس، الأمين العام السابق لـ"حلف شمال الأطلسي".
راسموسن المعروف بدقته وبشدة تحفظه، كان لا يزال على رأس مسؤولياته حينما تحدث عن ذلك من نيويورك بعد بدء ضربات "التحالف" في سوريا. قال خلال مقابلة تلفزيونية، متجنباً المواربة :"لا أعتقد هذا (هدف التحالف) يمكن إنجازه عبر الحملة الجوية وحدها".
حينما سألته مذيعة قناة "سي إن بي سي" الأميركية من أين ستأتي "القوات على الأرض"، في ظل تشديد واشنطن على أنها لن ترسلها، قدم إجابة لافتة: "أعتقد أنه سيكون من الأفضل أن دولاً من المنطقة، هي التي تقدم القوات لتعمل على الأرض".
أهمية كلام راسموسن تأتي أيضاً لكون آرائه تشكل انعكاساً للمعطيات لاجتماعاته بكبار المسؤولين السياسيين والعسكريين الأميركيين. في تعليقها على ما قاله، اعتبرت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت أن القوات على الأرض يمكنها أن تكون "مزيجاً" من قوات المعارضة "المعتدلة" التي سيجري تأهيلها، وأيضاً قوات من الدول الإقليمية.
في هذا السياق، تماماً، تصبّ التصريحات اللافتة التي أطلقها رئيس مجلس النواب الأميركي جون بوينر. فخلال مقابلة مع قناة "إي بي سي" الأميركية قبل أيام، قال إنه "إذا كان الهدف تدمير داعش، والرئيس (باراك أوباما) يقول إنه كذلك، فلا أعتقد أن الإستراتيجية التي أوجزها تحقق ذلك". هذا الحكم يأتي برغم أن الرئيس الأميركي كرر قصة "تدريب المعارضة"، وهو ما يبدو أن بوينر نفسه يعتبره "غير كاف".
بناء على ذلك، يوضح بوينر سبب حكمه: "في نهاية المطاف، ستتطلب هزيمتهم أكثر من الضربات الجوية، في مرحلة ما على قوات أحدهم أن تكون على الأرض".
في خلفية هذه القضية بات واضحاً وجود انقسام في "التحالف الدولي". صار هناك تحالفان دوليان، وليس تحالفاً واحداً. هناك تحالف في العراق، وهو يضم الدول الأوروبية، لكن هناك آخر في سوريا أعلن الأوروبيون أنهم لن يشاركوا في عملياته.
في مقابلة مع "نيويورك تايمز"، قال أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني "نحتاج إلى إنشاء جيش لقتال الارهابيين، لكن علينا أيضا قتال النظام"، معتبرا "علينا القيام بالأمرين معا".
محللون عسكريون أميركيون تحدثوا فعلاً عن أن الدول العربية في "التحالف" تأمل أن تتحول وجهة العملية العسكرية، في مرحلة ما، لتستهدف نظام الرئيس السوري بشار الأسد. بغض النظر عن هذه الحسابات، يبدو مستبعداً تماماً أن تشارك دول الخليج في القصف كي تتفرج على النظام السوري وهو يقطف ثماره، سواء السياسيّة منها أو العسكريّة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك