ينطوي القرار الدولي بإخراج نظام الأسد من شبكة التحالفات التي يجري تصميمها للحرب على داعش على مضمون يحمل إهانة كبيرة لنظام الاسد، ومن خلفه حلفائه، فحواه، أن هذه المنظومة التي ينضوي النظام في إطارها لا تستحق ان تكون شريكاً في الحرب على الإرهاب، ليس فقط لأن التحالف معها يؤدي إلى حرج شديد باعتبارها تكاد تتطابق مع تنظيم «داعش»، الذي يتم تجهيز العدة الدولية للقضاء عليه، من حيث الشكل المتطرف والمضمون الإجرامي، بل إنها أيضاً غير ذات فائدة وجدوى حقيقية نظراً لأنها لا تشكل جسماً متماسكاً يمكن إدماجه ضمن هيكلية منظومة التحالف الدولي للحرب على الإرهاب.
انتهت ماكينة إيران القتالية، بعد سنوات من الاستنزاف، إلى مجرد قطع متناثرة في إقليم يمتد من البصرة الى صور، بعضها يعمل لأهداف محلية كتلك التشكيلات الموجودة في بغداد والتي ينصب جل اهتمامها على تحقيق درجة عالية من التطهير في بغداد وغلافها بقصد إفراغها من سكانها العرب السنة، وتستخدم في سبيل ذلك عمليات القتل والترويع، حتى إن نهر دجلة يفيض يومياً بجثث القتلى المغدورين، وبعض تلك التشكيلات بات يرفع علم «الدولة العلوية في العراق والشام» على نمط دولة «داعش»، وخاصة الكتائب القتالية العائدة من سورية والتي لا تملك حكومة بغداد سلطة عليها، وبعضها ما زال يعمل على خط المشروع الايراني، مثل «حزب الله»، وبدا في الفترة الأخيرة ممزقاً بين وضعه في لبنان وأدواره الاقليمية وضغط إمكانياته التي لم تعد تسمح له بالبقاء في هذه الوضعية التي فرضتها إيران عليه، وبات يتلطى خلف الجيش اللبناني طلباً للحماية من المخاطر التي وضع بيئته بقلبها، في حين تبدو كتائب الاسد أكثر تشتتاً وفوضوية جراء إنهاكها من قبل الثوار وسيطرة أمراء الحرب عليها وضباط القطّاعات.
جراء كل ذلك، تبدو الصيغة التي تطرحها الولايات المتحدة الأميركية للتعاطي مع حالة الأسد تقع ضمن حالتين:
الأولى: أن يتم تسوية وضعه ضمن الصفقة الشاملة المنتظرة مع إيران، بحيث يجري استلحاقه على هامش هذا الاتفاق ويوكل لإيران مهمة منحه لجوءاً في طهران وتفكيك ما تبقى من البنية القتالية التي تأتمر به، وفي هذه الحالة لن يجري التعامل مع بشار بوصفه طرفاً وطنياً سورياً بقدر ما هو عامل ضمن مشروع إيران، وهذا تعامل واقعي ومنطقي مع حالة بشار الأسد، حتى صفة ديكتاتور وطني لم تعد تليق به، ويفيد هذا التعيين الدقيق لوضع بشار في نزع القيمة التفاوضية له من يد إيران، التي حاولت طويلاً منحه صفة وطنية وتحويله الى معطى سوري لا يمكن تجاوزه.
الثانية: تشكيل ديناميكية إقليمية وداخلية، تشمل فعاليتها ونطاق حركتها، المناطق التي تسيطر عليها داعش في سورية، وهذا الأمر ينطوي عليه تضمين خريطة انتشار قوات الاسد وكتائبه ضمن دائرة الاستهداف بحكم الضرورات العملانية، وهذا يعني اختراق بنى تشكيلات الاسد العسكرية في كل نقاط التماس، وهي متعددة بحكم التداخل بين الاطراف السورية المتقاتلة على الأرض، بما يستتبع ذلك من عزل ميداني كامل لقوات الاسد ومحاصرة خطوط إمداده وتفكيك طرق مواصلاته باتجاه حلفائه الإقليميين وبالعكس، ويشمل ذلك ضرب منظومة الاتصالات التي يعتمد عليها النظام بما فيها شبكة راداراته، التي قد تكون خاضعة لحالة فرض منع طيران ضمن خطوط معينة في سورية، وهذا ينتج عنه فرط كامل لمنظومة الاسد وانحلالها ووقوعها بين فكي كماشة الثوار وضربات التحالف الدولي.
التقدير الارجح هو حتى اللحظة هو تفعيل هذه الديناميكية المشار إليها، لأن إيران قررت اللعب على حافة الهاوية في سورية، وهي بذلك تدفع نظام الأسد للقتال حتى الموت، ذلك أن الغرب لم يطرح عليها حتى اللحظة سوى معادلة خاسرة في حديها، إما الاستسلام أو الاستسلام، وبالحسابات الإيرانية ثمة استسلام يختلف عن آخر، من حيث النتائج والالتزامات، فما دام نظام الاسد راحلاً بكل الأحوال، وهذا ما بينته ردود الفعل الغربية القاطعة، فالأفضل رحيله من دون ان يجري تحميله على الصفقة المتوقعة مع الغرب، كما أن إيران يمكنها في المستقبل تنسيب هذا الأمر لجهودها، كأن تحاجج بأنها اوقفت الدعم عنه منذ مدة وهو ما ساهم بإسقاطه ورحيله عن المشهد السوري، والسياسة الإيرانية مشهورة بهذا النمط من التنسيب، حيث انها نسبت لنفسها استبعاد نوري المالكي في حين ان الرجل فقد الغطاءين الداخلي» توصية السيستاني» والخارجي» إلحاح واشنطن على عزله».
لا شك أن نظام الاسد بدأ يستشعر مخاطر إزالته التي راح يتحسّسها من أكثر من اتجاه، فثمة حركة مغايرة بدأت تدب حول العاصمة دمشق التي راحت جبهاتها تتداعى الواحدة تلو الأخرى، ويجري حصر الأسد ضمن حيز جغرافي محدد، يشبه القفص تمهيداً لخنقه، ولا شك ان نظام الاسد فسّر هذا التطور في إطار وجود جدية دولية لعزله وإسقاطه. من ناحية أخرى بدأ النظام، وعلى وقع التحضيرات العسكرية لضرب داعش، يستشعر خطورة تداعيات الحالة عليه، ربما هذا ما يفسر حالة الغضب التي بدأت تظهر على مندوبيه كما عبّرت عنها المستشارة الإعلامية لبشار الاسد، بثينة شعبان، التي ظهرت حائرة بين التهديد والتوسل للعالم لكي يضم نظامها الى جهوده في محاربة داعش، وبالتأكيد ليس شفقة بالمناطق السورية التي ستستهدفها الضربات الغربية بقدر ما هي محاولة لضمان استثناء النظام من هذه الضربة، وكان أول من لفت الانتباه الى هذه المسألة الطرف الروسي الذي طالب بضرورة العودة الى مجلس الامن من أجل الموافقة على ضرب داعش، وكأن الروس بدأوا يرون شبح السيناريو الليبي يعاد تطبيقه على الأرض السورية، وخاصة لجهة موافقة روسيا على القرار 1270 الذي يشكل الاساس الذي يستند عليه التحالف الدولي لضرب داعش.
الأسد ذاهب بالإزالة لانه يقع على مسار طريق يجري ترتيبه في المنطقة، مشكلته ان الطريق إجبارية، وأن موقعه تصادف أن كان في وسط هذا الطريق، أليات القص والإزالة باتت جاهزة، لكن المفارقة ان هذا النظام الذي صنع كل تلك الكارثة بالمنطقة تبين انه لا يستحق حرباً لإزالته مثل الطغاة الذين سبقوه، كل ما في الامر أنه سيصار الى إزالته ضمن الحرب على داعش وبوصفه عميلاً إيرانياً إنتفت الحاجة إلى خدماته، أو لأنه لم يعد ثمة أمل يرتجى منه.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك