انتهت المهزلة أم لم تبدأ بعد؟ امس أقفل باب الترشيحات. أما الانتخابات فأبوابها مفتوحة على كل شيء، إلا على الصناديق. التهريج مستمر، ولن تقفل الستارة إلا بعد أن يتيقّن التمديديون بأن الولاية الثانية صارت في الجيب.
الجميع يتسلّى. لمَ لما؟ ألا يفترض بهذا القدر من المآسي والصدمات، التي تلفّ البقعة اللبنانية المثقلة أصلا بنكباتها التقليدية، أن يدفع أحدهم الى تلطيف الأجواء بابتكار مشهد ديموقراطي زائف، لا يمهّد فعلياً سوى لديكتاتورية مفضوحة؟ ترشيحات انتخابية، لكن من أجل التمديد!...
يجدر الاعتراف. ليس في كل الجمهوريات في هذا العالم يمكن الوقوع على هذه النماذج الفاقعة في استغباء أهل السلطة لشعوبهم.
الممثلون الكبار فاشلون، المخرج أكثر فشلا. السيناريو ممجوج. النهاية صارت معروفة ومتوقعة. كأنها دستور البلاد الجديد. تريدون «ربيعا» حقيقيا في المنطقة؟ هذا هو ربيعنا اللبناني. نحن نجدّد، لا نمدّد! هذا لم يحدث لا في ليبيا، ولا العراق، ولا سوريا... فقط في لبنان.
تبدأ القصة منذ ما قبل إقفال أبواب قصر بعبدا. يحصل التمديد الأول في ظل ظروف أمنية مقبولة، أفضل بكثير من تلك السائدة حاليا. عام وخمسة أشهر. غصّ النواب وبلعوها على مضض. المنطقة في غليان، أقلّه نحن نستأهل تمديدا لنصف ولاية. ومن أجل ماذا؟
في جولة النفاق الأولى، قبل نحو سنة ونصف، هدّد «تيار المستقبل» بعظائم الأمور. لا للتشريع في ظل حكومة تصريف أعمال. في جولة الاحتيال الثانية، رفع مسيحيو الطرفين، مع موافقة ضمنية من بعض قوى «14 آذار» الحرم السياسي. لا للتشريع في ظل شغور رئاسة الجمهورية. النتيجة: كزدرة نيابية بين الطاولات والمآدب، وفي فنادق عواصم العالم الفخمة.
لم تكن «داعش» و«الفرقة» قد اقتربا من الداخل بعد. ميشال سليمان كان لا يزال في القصر، ورئاسة الحكومة تفتّش عن ساكنها الجديد. ملامح الحدّ الأدنى من مشروع الدولة كان لا يزال عالقا في الأذهان. مع ذلك، استرخى نواب التمديد، وصيّفوا. إنجازات تشريعية في خلال عام ونصف تقريبا تقارب حدّ الصفر إذا ما قورنت بتشريعات بعض برلمانات العالم الثالث.
واحذورا ماذا؟ إن شرّع نواب اللهو، فعلوها ضد ناخبيهم. اسألوا المياومين، وهيئة التنسيق النقابية، وعناصر الدفاع المدني، والنساء والأطفال المعنّفات، وهيئات المجتمع المدني، والمالكين والمستأجرين...
مجلس النواب، طالب الولاية الثانية، عدّا ونقدا، سمع في آب الماضي، رئيسه يلقّن تلاميذ ساحة النجمة درساً في ألف باء النيابة. قال لهم بالحرف الواحد «مجلس النواب اسمه المجلس التشريعي». ردّدوا بعدي: ما اسم مجلس النواب؟
تخيّلوا، نواب «الساحة»، منذ العام 2009 ، فاتتهم هذه المعلومة. لا أحد يعلم إذا كانوا سيستدركون هذا التقصير في استيعاب السبب الذي انتخبوا لأجله، حين يدخلون مدار التمديد الثاني. على الأرجح، هم يفضّلون القراءة في كتيّب «كيف تصبح نائبا لمدى العمر»..
لا حاجة للتمعّن في الظروف الموضوعية التي قادت الى تكبيل عمل مجلس النواب. لا داعي لربط الأمور بحسابات المنطقة من اليمن والعراق وسوريا الى أوكرانيا وطهران وواشنطن. هذا المجلس البائس لم يفعل شيئا يذكر، وكان بإمكانه أن يفعل الكثير لو أراد. ومع ذلك، سيتمدّد على قلوب اللبنانيين وضميره في إجازة.
التمديد الأول جاء مشروطا بإقرار قانون جديد للانتخابات النيابية وانتخاب رئيس للجمهورية. لم يحصل لا هذا ولا ذاك. لا أحد حرّك ساكنا اعتراضا على عدم الإيفاء بالالتزامات.
بعد انتهاء الاحتفالات بتنصيب الـ128 نائبا أمراء على قواعدهم الشعبية بوكالة جديدة مغتصبة، لم تعقد جلسة نيابية واحدة تُبرز وجود قرار سياسي فعلي بإعداد قانون انتخابات يخرج من مفهوم المحادل والطائفية.
المجلس المسترخي، تفرّج أيضا على اجتياح الفراغ للقصر الرئاسي. في اللحظة التي غادر فيها رئيس الجمهورية بعبدا، تبادل بعض النواب التهاني بصوت خافت. «يقال إن ميشال سليمان آخر رئيس جمهورية.. ونحن آخر برلمان، استباقا لتسوية لن تأتي إلا بعد سنوات»!
على هذا المنوال، باستطاعة المجلس الزاحف نحو التمديد الثاني، المكفول والمضمون دوليا واقليميا، بتواطؤ داخلي مريب تغريه السباحة في فنجان الفوضى، أن يتعهّد هذه المرّة بإزالة «داعش» من الوجود. باستطاعته التعهّد بإقرار تشريعات تمنع الاحتكار الطائفي لبعض المواقع. من سيحاسب أصلا؟ حين يكون التمديد قطعة الحلوى الفاخرة في حلق عاشقي الالتصاق بالكراسي، من سيسأل!
بالمنطق، وبالعقل، التمديد لمجلس معطّل أو عاطل من العمل لا يجوز، حتى لو أوحى أنه سيعمل وينتج فقط من أجل تمرير «ضَرب» التمديد. لا يجوز لأعضائه أصلا أن يتقاضوا رواتبهم. لكن هذا ما سيحصل، وقبل أن يسترجع المرشّحون وديعة الثمانية ملايين مجدداً.
لن تجد نائباً واحداً سيهدّد بالاستقالة تمرّداً على فضيحة الجمهورية، مع أن المتضرّرين المفترضين كثر. الكارثة ان الجميع متواطئ. رئيس مجلس النواب نبيه بري نفسه، رغم سقف كلامه العالي، شَرعَن التمديد «إذا همّوها الشباب ونزلوا الى المجلس واشتغلوا». لا لوم إذا على البقية. لم تعد تنفع البندورة، ولا حتى البيض. مجلس «الكوما» يتأهّب لحفلة «التنصيب» الثانية.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك