ساهمت قساوة الأيام في تشقّق أياديهم. وفي حين هم غائرون في الظلم هالكون فيه، سيظهرون في هذا البرنامج أبطالاً في قصّة حياتهم. طيلة 45 دقيقة، لديهم فرصة رواية التفاصيل المحجوبة تماماً عن أنظارنا. تفاصيل "تخرج" من المرآة التي تعلو "قنطرة" حياتهم. الآن، ثمة من يطمئن إلى أحوالهم. هي فرصة ربما لن تتكرّر.
وثائقي درامي جديد تبثّه شاشة الـ"أم تي في" اللبنانيّة مساء كل أحد بعد نشرة الأخبار، يحمل عنوان "عاطل عن الحريّة"، ويأخذنا من خلاله سمير يوسف الذي يُعدّه ويُقدّمه إلى كل سجون لبنان. يُعطي بعض سُجناء حَكَم عليهم القضاء وبُتّ في ملفهم القضائي، فرصة رواية سيرتهم الذاتية. نعود معهم إلى الطفولة، إلى الأيام الأولى، خطوة فأخرى وصولاً إلى تلك اللحظة التي ما زالت تقف في "واجهة عرض" أيامهم، وإن مرّ عليها الزمن. الّلحظة التي إرتكبوا فيها الجريمة التي أوصلتهم إلى السجن. أشخاص "متلنا"، ولكن المُفارقة انهم، "عم يقضوا محكوميّةُ...شي إعدام، شي مؤبدّ".
إستولت فكرة هذا البرنامج على ذهن يوسف الذي يُعدّ البرامج في الـ"أم تي في" ويُقوم بإخراج الوثائقيات، منذ ما يُقارب السنة. فكانت الخطوة الأولى في تقديم طلب إلى شُعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي، وفيه ان يوسف يرغب في إعداد وتقديم برنامج له "علاقة بحياة السجين الشخصيّة والأسباب التي دفعته إلى دخول السجن. نعود معه منذ الطفولة وصولاً إلى لحظة إرتكاب الجريمة". يُعلّق، "لطالما كنت باحثاً ولطالما غصتُ في كل ما له علاقة بحقوق الإنسان. في بالي أستسيغ العمل كثيراً على القصص".
يُعلّق روي الصدّي الذي يُشرف على المونتاج، "من خلال معرفتي بسمير طرحتُ عليه يوماً السؤال الآتي: لماذا اخترت هذه الفكرة؟ فكان جوابه: بحبّ دور التحرّي. وبحب القصص يالّلي ما بتحب الناس تحكي فيها. يعني غير العادة". وفي أحد الأيام هتفَ روي في وجه سمير، "يا زلمي إنتَ مجنون بتعمل برنامج ما بيطلّع مصاري؟". ومع ذلك، ها هما يعملان معاً ولساعات طويلة ليعطي "المونتاج" حقّ السجين، فلا يُبالغ ولا يظلم، بل يكون الإنعكاس الحقيقي لما حصل ذات يوم، فقلب معه كل المقاييس. المونتاج يستريح في الدرجة الأولى على مبدأ التشويق، نعم، ولكنه، لا يؤذي القصّة التي يرويها لنا السجين. وإلى سرد الحكايات واللحظات، يتضمّن البرنامج بعض مشاهد ترتكز على إعادة تمثيل الوقائع، أضف إليها حوارات مع اختصاصيين من مُختلف المجالات يدرسون ملف هذا السجين أو ذاك قبل المُشاركة في الحلقة لإعطاء رأيهم. وتبقى أهداف "عاطل عن الحريّة" واضحة بالنسبة إلى يوسف، "كيفية تأهيل السجين أو العمل على تأهيله، وكيفية إعادة تأهيل السجون في لبنان".
ومن خلال عمله على المونتاج، اكتشف روي الصدّي ان البرنامج وكما عالج حيثيّاته سمير يوسف "يُسلّط الضوء على عناصر كثيرة لا نُشاهدها في الواقع عندما تنقل لنا وسائل الإعلام حدثاً أو آخر وقع في سجن أو آخر في لبنان. سنرى في البرنامج الشق التثقيفي والتعليمي في السجون. مع العلم انها يُمكن أن تكون أكثر تطوّراً. ولكن البرنامج ينقل الوقائع".
وحاول سمير على قوله أن يُنوّع في ما يتعلّق بإختيار السُجناء الضيوف، و"لكل حلقة قصّة واحدة. مع العلم أن غالبية السُجناء وافقوا على إظهار وجههم. نعم واجهتُ بعض صعوبات مع البعض قبل أن يوافقوا على سرد قصصهم في البرنامج. كانت مسألة مهمة بالنسبة إليهم أن يثقوا بي وأن يشعروا انني -من يمّهم- كان قصدي من البرنامج أن نتخطّى مسألة ان هذا السجين أو ذاك ارتكب جريمة أو أخرى، فخلص يجب أن ننفيه. لا يجب أن ننفيه. أهم ما خطر في بالي أن يقول السبب الذي أوصله إلى السجن، حتى نمنع غيره من دخوله للأسباب عينها".
26 قصّة في 26 حلقة "تسدّ من جوع" السجين لرواية الحقيقة. حقيقة يعرفها هو عن ظهر قلب ويعيشها واقعه اليوميّ. وفي المرحلة الحاليّة يجلس سمير وروي ساعات طويلة معاً للتشاور، على قولهما، إذ من من المهم بالنسبة إليهما ان تندمج الحوادث كلها في 45 دقيقة تظهر كل حياة السجين مع التشديد على ترابط الأفكار الذي يُظهره المونتاج من دون أن يُحرّف في الوقائع. يؤكّدان، "أحياناً السجين لا يروي قصّته بتسلسل ومن هنا ضرورة التنبّه إلى التفاصيل لتُصبح الوقائع في حلّتها الأخيرة قصّة مُتسلسلة". وكَتَب سمير على الـ"ستاتوس" التابع لصفحته الشخصيّة في موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، "نحن في مطبخ المونتاج". يُعلّق، "ما في حلقة متل التانية في ما يتعلّق بالمونتاج. وأعني بذلك انه ما من قوانين مُحدّدة أو خطوات نُطبّقها لكل الحلقات".
البرنامج يكشف العديد من الأسرار والقصص وغُربة السجين عن عالم الحريّة البعيد المنال، "معقول تسمعي سجين عم بيقول: أنا منيح يالّلي فتت على السجن لأنّي حقّقت حلمي وصرت أستاذ موسيقى ورسّام وصار يُعلّم داخل السجن الموجود فيه". يُعلّق روي، "غيره ربما قال: أنا ندمان". وسيجد المُشاهد على قولهما المُفارقة ما بين قصّة وأخرى، من خلال طريقة المونتاج التي تتبدّل بين حلقة وأخرى. وقد أصرّ سمير على أن يأخذ موافقة أهالي الضحايا قبل أن تُبثّ الحلقات التي لها علاقة بهم". السجن كما اكتشف سمير من خلال رحلته التي تُسلّط الضوء على "هشاشة" الإنسان، "بيهذّب"!
وهذا البرنامج بالنسبة الى السُجناء، رجالاً ونساءً، الذين يضعون أمامنا قصصهم فلا تنكمش أجسادهم خجلاً منها، على قول سمير وروي، "فرصة بالنسبة إليهم لنقل الصورة الحقيقيّة للسجون. وكأن السجين يأمل أنّو حدن يطلّع فيه تيطلع من السجن. هي وسيلة يشرحون من خلالها للناس السبب الحقيقي الذي أدخلهم إلى الحبس". يُعلّق روي، "وكأن سمير فتح لهم باباً جديداً. أو ربما هي محكمة ثانية بالنسبة إليهم".
وفي نهاية كل حلقة يتخلّل البرنامج فقرة اصلاحية تشتمل على قول السجين ما تعلّمه خلال مدة إقامته في السجن، "يعني يمكن اللغة الإنكليزية، أو كيفية استعمال الكومبيوتر. وهنا دور الجمعيّات التي تضطلع بدورها في مُختلف السجون".
إشارة الى ان المُنتج المُنفذ في البرنامج هو بدرو غانم والإخراج لعبده نجّار.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك